والحق ان الدولة هي التي حملت وحدها هذا العبء على اكتافها اول الامر، وادت الدور المنوط بها، بكفاءة متدرجة مع مرور الوقت، سواء أكان ذلك من خلال الذراع المدني (وزارة الصحة) او عبر الذراع العسكرية (الخدمات الطبية الملكية) قبل ان يتقدم القطاع الخاص فيما بعد، لأخذ شطر وافر من هذه المسؤولية الثقيلة، ويواصل بعد ذلك عملية شراكة ناجحة مع القطاع العام، ثم يمضي حثيثاُ في بناء واحدة من أفضل البيئات الطبية في المنطقة بجدارة واقتدار يُحسبان له، وذلك على نحو ما يشهد به اليوم واقع الحال الراهن في بلد بات يشبه وردة يانعة نم? على حافة الصحراء.
هذا السجل الحافل بالإنجازات المدّونة بأحرف من ماء الذهب في سيرة الأردن الطبية المثيرة للاهتمام والاحترام معاً، يجب ألا يظل مصدر اعتزاز فحسب، وهو اعتزاز مُستحق على أي حال، او يبقى موضع ثناء على النفس بما تحقق بالأمس، وانما ينبغي ان يشكل قوة دفع ذاتي متجددة، او قل حافزاً داخلياً للمثابرة دون تثاؤب، ومواصلة التقدم بخطى أوسع واسرع نحو الامام. كما ان هذه المعطيات الإحصائية المتاحة عن القطاع الصحي الأردني (لا بد من تحديثها كلما كان ذلك ممكناً) تُعد بدورها مفخرة حقيقية دون مراء، فوق ان هذه المعطيات الملموسة تُعتب? ثروة وطنية كبيرة بكل المقاييس، الامر الذي يدعو ليس الى البناء عليها فقط، وانما لمواجهة التحديات التي تواجهنا ايضاً، حيث سأكتفي في هذه المقاربة بالإشارة الى تحديين اثنين.
الأول منهما ماثل في ازدياد كلفة توسيع شبكة المستشفيات الخاصة، لتلبية الطلب المتزايد على العلاج والاستشفاء، سواء الطلب الداخلي المقدر بنحو ثلاثة آلاف سرير اضافي، حسب وزير الصحة، او الطلب الخارجي المرجح له ان ينمو بصورة أكبر في المستقبل المنظور، نظراً للتوقعات المتفائلة بزيادة الاقبال على الأردن من جانب الاخوة العرب، طالبي خدمات السياحة العلاجية والاستشفائية المعوّل عليها كثيراً، وهذه المسألة سنفرد لها مطالعة منفصلة في اطلالة أسبوعية مقبلة.
ونحن حين نتحدث عن ازدياد الكلف، فإننا لا نعني كلفة الانشاءات على وجه الخصوص، وانما كلفة التمريض واللوجستيات والمعدات الحديثة ونفقات الماء والكهرباء والرسوم، وغير ذلك من اكلاف غير منظورة، تضاعف كلفة ادامة الخدمة الطبية بالدرجة اللائقة بسمعة الأردن كبيت للعلاج المتقدم في المنطقة، وبالكيفية التي من شأنها المحافظة على قدرتنا التنافسية بصورة عادلة، مع مخرجات سوق الطب العلاجي والسياحي وتطوراته الحثيثة في الدول العربية المجاورة.
اما التحدي الثاني فهو تحدٍ عاجل وملّح، متفرع من التحدي الأول، وشاخص لكل ذي عين ترى، ونعني به الازمة المالية التي تعاني منها بعض المستشفيات الخاصة، الناجمة عما نسميه اكلاف ادامة الخدمة الطبية، الامر الذي يتطلب القيام بمبادرة إنقاذيه، احسب انها تقع على عاتق إدارة جمعية المستشفيات الخاصة في المقام الأول، لاسيما وانها تأسست لحل مثل هذه المشكلات الطارئة اصلاً، فيما يمكن الاستعانة بلجنة مؤقتة تضم عدداً من المستثمرين وأصحاب المستشفيات المتعثرة مالياً، لدراسة المخارج وبحث البدائل الملائمة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من ?ضع مؤسف، قد يؤدي استفحاله الى المسّ بصورة الأردن الخارجية، والحاق ضرر فادح بشركاء لنا في خدمة الطب النبيلة،