تناولت صحيفة "النيويورك تايمز" في عددها الصادر الجمعة الحراك الشعبي الأردني، منوهة إلى أن الهتافات الاحتجاجية التي رفعها الأردنيون منذ أكثر من عام، لم يكن الملك منذ توليه العرش يعتاد سماعها لولا الربيع العربي.
ففي الجمعة الماضية هتفت الحشود عقب الصلاة "نحن نريد العدالة الاجتماعية" وهم يقرأون قائمة من المظالم السياسية والاقتصادية والاجتماعية المكتوبة بخط الي، بحسبما الصحيفة، وكانت الحشود تهتف بعبارات أخرى مثل "نريد إنتخابات حقيقية" و"أنا مواطن ولست متسولا."
لم يكن لأحد أن يتصور قبل عام واحد فقط سماع مثل هذه الانتقادات العلنية للملكية التي تبلغ من العمر ما يقارب القرن من الزمان. وقد دعت الاحزاب المعارضة من الليبراليين والاسلاميين الأصوليين لفترات طويلة من أجل إحداث تغييرات في النظم السياسية للمملكة، لكن لم يسبق أن وصل الاحتجاج العلني للمناطق القبلية خارج المدن الرئيسية والتي لطالما شكلت القاعدة الشعبية الأهم للملك.
لم يبدُ على احد أنه يشعر بالخوف أو أنه يمكن ردعه عندما قامت الشرطة السرية بتسجيل المظاهرات التي تبين أن المشاركين بها ينتمون للأسر التي لطالما كانت المصدر الرئيسي لتعيينات ضباط الأمن.
عندما بدأت أحداث الربيع العربي كانت الأردن تبدو عرضة للاحتجاجات التي كانت تؤرق الدول العربية الأخرى والتي تطيح بطغاتهم الذين حكموهم سنوات طويلة. وبخلاف جيرانها من دول الخليج الغنية بالنفط فإن الاردن كانت تكافح ارتفاع تكاليف الطاقة وشح مصادر المياه فضلا عن التوترات الاجتماعية الناتجة عن البطالة التي يبلغ معدلها 12% على الرغم من أن التقديرات غير الرسمية تشير إلى ضعف هذا العدد.
لكن الأردن أيضا تعد دولة صغيرة حيث يبلغ عدد سكانها حوالي 6.5 مليون نسمة، وقد استطاع الملك، وفق الصحيفة، أن يتجنب هذا النوع من الاضطرابات التي حدثت في الدول الاخرى من خلال القيام بتلبية "متواضعة" للمطالب الشعبية كإقالة وزراء في الحكومة والحفاظ على الدعم الشعبي من خلال توظيفهم في قوات الأمن، هذه القوات التي أثبتت فعاليتها في قمع التحديات الداخلية والخارجية، وقد اتهمتهم جمعيات حقوق الإنسان بقمع حريات التعبير.
وفي إطار سعي الملك عبد الله لامتصاص الغضب الشعبي تجاه مؤشرات وجود فساد قامت السلطات الاردنية الخميس باعتقال محمد الذهبي الرئيس السابق لجهاز المخابرات في إطار التحقيق حول قضايا الكسب غير المشروع، علما بأن هذه التحقيقات تشمل رجال أعمال بارزين آخرين.
احتجاجات الكرك التي تجمع خلالها عدد لا يتجاوز الـ 150 متظاهرا لم تهدف لإسقاط النظام الملكي خلافا لما حدث في تونس ومصر فإن الاحتجاجات الاردنية طالبت بإصلاحات النظام وليس إسقاطه.
وحسبما أشار النائب السابق الدكتور علي الضلاعين فإن الجميع يؤمنون بأن السلطة الكاملة في البلاد بيد الملك ولا يوجد للشعب اي إرادة، وأضاف "هدفنا الرئيسي هو إعادة السلطة إلى الشعب والحصول على ملكية مماثلة لتلك الموجودة في بريطانيا ونظام ملكي دستوري".
التوترات في الشرق بين السنة والشيعة في العراق وتوترات الغرب بين الفلسطينيين وإسرائيل جعلت الأردن يقع في منطقة غير مستقرة، فضلا عن هذا فيوجد هناك توترات أخرى بين الشرق أردنيين وهم السكان الاصليون الذين يستمدون اسمهم من موقع البلاد التي تقع على طول نهر الأردن وبين ملايين السكان الفلسطينيين الذين وصلوا الأردن عبر موجات متتالية وأصبحوا الآن يشكلون الاكثرية في الأردن.
ويقول العديد من المحللين بأن عوامل عديدة ساهمت في استقرار الأردن بما في ذلك الوعود بالإصلاحات الديموقراطية التي قدمها الملك عبد الله التي جعلت المنتقدين ينتظرون ما إذا كان الملك سيتمكن من تنفيذ وعوده على أرض الواقع.
وفي خطابه الذي ألقاه الأسبوع الماضي في العاصمة الأردنية عمان وتناولته وكالة (بترا) أوجز الملك عبد الله أهداف ما وصفه بـ "التحول الذاتي والإصلاح التدريجي" بإيجاد إنتخابات برلمانية نزيهة تضمن أوسع تمثيل ممكن على أساس الأحزاب السياسية والحكومات المستمدة من ذلك البرلمان.
لكن وبحسب بعض المحللين فإن الخوف يعد من الأسباب الرئيسية التي ساهمت باستقرار الأردن. فمشاهد سفك الدماء السورية تسيطر على التغطية التلفزيونية في الاردن الذي تشترك عدد من عائلاته بروابط عشائرية مع عائلات سورية.
وحسبما افاد سامر الطويل وزير الاقتصاد السابق "سقوط النظام لا يتناسب مع مصالح أي طرف في الأردن سواء الشرقيون أو الغربيون أو اليمينيون أو اليساريون خصوصا بعدما شاهدناه من فوضى في المنطقة والتي بدأت بالحرب في العراق واستمرت بأحداث الربيع العربي."
وأشار الطويل لعامل آخر فريد من نوعه يتمثل بالخوف العميق الكامن لدى شرق الأردنيين والأردنيين من اصل فلسطيني الذين يرون بأن تفكك الاردن سيؤدي للغرباء الخارجيون أن يحاولوا تحويله لوطن بديل للفلسطينيين.
يعد الحفاظ على توازن دقيق بين الشرق أردنيين والفلسطينيين من المسائل الغاية في الأهمية بالنسبة للعديد من الاردنيين، واي شيء يحدث لتهديد هذا التوازن سيؤدي لرد فعل قوي من مختلف الاتجاهات السياسية في الأردن.
ويدرك الفلسطينيون أيضا حساسية تلك المسألة الامر الذي دعا رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل خلال زيارته التي قام بها مؤخرا للاردن لتأكيد رفض حماس التام لفكرة ما يسمى بالوطن البديل. لكن مشاعر الاستياء تستعر في كثير من الأحيان بين رجال العشائر أو الشباب في مدينة مأدبا التي تبعد حوالي 25 كم جنوب العاصمة عمان. ففي الشهر الماضي قام الشاب عدي أبو عيسى(18 عاما) بالصعود فوق أحد المباني الحكومية وإشعال النار في صورة الملك عبد الله ليواجه حكما سريعا بالسجن لمدة عامين.
وخلال جلوسهم في منزلهم البارد والمتهالك الذي يعاني طلاء سقفه من التقشير، اعترف أقارب أبو عيسى بانه قد تجاوز الخط الاحمر. لكن والدته "ثورة" قالت أن حركة ابنها كانت تعبيرا عن غضبه الداخلي وتنفيس للإحباط من تخفيض الاجور الذي ترك زوجها بالكاد يستطيع إعالة اسرته حيث أنه يعمل محاسب في أحد المستشفيات ويتقاضى حوالي 420$ شهريا.
واضافت "يجب على الناس أن تتساءل لماذا أحرقت الصورة، هناك مشاعر غضب والحل لإزالة هذا الغضب هو القيام بالإصلاح".