يشير الواقع العملي إلى أنّ حرية التعبير وحرية الإعلام كانت دومًا عرضةً لحالة من عدم الاستقرار على صعيد الممارسة؛ ويعود السبب الرئيس في ذلك إلى غياب معايير قانونية واضحة تضع حدودًا فاصلةً بين النقد المباح والنقد غير المشروع ضمن محددات قانونية تكون الحرية فيها هي الأصل والقاعدة العامة والاستثناء هو التقييد وفي أضيق الحدود ولغايات محددة ومشروعة برؤية تعكس روح الدستور الأردني وتجسد ما أقرته المعايير الدولية ذات العلاقة بحرية التعبير عمومًا.
تأتي حالة عدم الاستقرار والتذبذب هذه بالرغم من أن الميثاق الوطنيّ الأردني الصادر عام 1990 كرس مبكرًا رؤية تقدمية لما يجب أن يكون من ثوابت في مجال الحق في حرية التعبير بما في ذلك حرية الصحافة والإعلام، مشيرًا إلى أن «وسائل الاتصال الجماهيرية تؤدي دورا مهما في ترسيخ النهج الديمقراطي وتعزيزه.. وأن على الدولة أن تسن التشريعات اللازمة لحماية الصحفيين والإعلاميين في أدائهم لواجباتهم وتوفير الأمن المادي والنفسي لهم وأن تضمن الدولة حرية الوصول الى المعلومات…».
إلا أنه وبعد مرور ما يزيد على الثلاثين عامًا على اصدار هذا الميثاق ما تزال تحديات عديدة تواجه حرية التعبير عموما وحرية الصحافة والإعلام بشكل خاص، الأمر الذي يتطلب مراجعة شاملة للتشريعات ذات العلاقة بهذه الحرية ومكوناتها بصورة تحفظ حق الأفراد في ممارستها وفي الوقت ذاته تحفظ حقوق الآخرين من أي تجاوزات لا تتفق والدستور الاردني والمعايير الدولية لحقوق الانسان.
شهدنا قبل فترة ليست بالبعيدة مخرجات عمل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية والتي شكلت بارقة أمل في إعادة انتاج منظومة من التشريعات في مقدمتها قانوني الانتخاب والاحزاب، من المؤمل أن تشكل منعطفًا مهمًا في عملية الإصلاح السياسي في الأردن، خاصة في ظل ما تم اقراره من تعديلات دستورية جوهرية تضبط واقع القوانين العادية وتمنحها غطاءً دستوريًا يشكل خط الدفاع الأول عن شرعيتها ويبث فيها قوةً قانونيةً مستمدةً من عدالة الدستور ومكانته، ونأمل أن يكون هناك وفي القريب العاجل أيضا عملا حثيثا للنهوض بواقع حرية التعبير وحرية الصحافة والاعلام لاستكمال عملية التحديث الشاملة التي يطمح الأردن في الوصول اليها تزامنًا مع دخوله مئويته الثانية التي يسعى لأن تكون مئويةً حافلة بالحقوق والحريات وسيادة القانون الذي يعد – وكما اشارت الورقة النقاشية السادسة – أساس الدولة المدنية.