وللتدليل على أهمية العنوان، من منا مثلاً لم يسمع، حتى مجرد سمع، بكتاب "الموطأ" للإمام مالك و"سيرة ابن هشام"، ورواية " موسم الهجرة" إلى الشمال للروائي السوداني الطيب صالح، أو "مرتفعات ويذرينغ" لللانجليزية إميلي برونتي و"الصخب والعنف" للأمريكي وليام فولكنر، وقصة الحضارة للسويسري ول ديورانت و"فاوست" للألماني يوهان جوته، و"رسالة الغفران" للمعري، و "البؤساء" للفرنسي فيكتور هيجو، والجريمة والعقاب للروسي فيدور ديستوفسكي.
يرى الأديب العراقي د ماجد عبد الله القيسي إن العنوان "ضرورة نصية يمكن من خلالها استنطاق النص ومحاولة تفسيره والولوج الى مداخله، لذا يمكن عده مصطلحاً إجرائيا ناجحا في مقاربة النص الأدبي ومفتاحاً اساسيا يتسلح به المحلل للولوج الى اغوار النص قصد استنطاقها".
ومن الأدباء من يسعى من خلال وضعه للعنوان إلى تسويقه، أو أن يكون معبراً عن روح النص، وربما محايداً ومتحرراً من تبعاته، كما يوصف عنوان كتاب "يوميات مجهول" للشاعر والكاتب والسينمائي الفرنسي جان كوكتو، إذ لم يكن "المجهول" الذي قصده كوكتو في كتابه سوى نفسه.
وعرف عن الكاتب والمفكر الكبير المرحوم عباس محمود العقاد (ترك 100 كتاباً أشهرها العبقريات) أنه كان يضع العنوان بعد انتهائه من كتابة الكتاب، وهو اسلوب متداول، بيد أن الكثير من الكتاب يضعون العنوان اولاً ثم يكتبون بناء عليه، وفق المنهج الذي ينتهجونه، سواء نجحوا في ذلك او أخفقوا؟.
الروائي الجزائري احمد الطيباوي، بدا أكثر صدقاً في سرده للهدف من العنوان حين قال في تصريح صحفي: لا أحدد عنوانا لرواية أكتبها من البداية، ولا أجهد نفسي في ذلك كثيرا، فالعنوان يأتي بالتزامن مع كتابة النص أو أثناء مراجعته، أو حتى بعد الانتهاء منه. العنوان أول العتبات وأهمها، وأحسب أن الكاتب يولي لعناوين نصوصه أهمية خاصة، كي تعبر عن تلك النصوص على النحو الذي يجذب القارئ ويغريه بها، ثم إن العنوان يبقى لازمة للنص بعد الانتهاء من قراءته، بل ويرسخ في ذاكرة القراء أكثر من أي شيء آخر في الرواية. وهنا يؤخذ في الحسبان -إضافة إلى الجانب الإبداعي- الجانب التجاري والتسويقي.
أما الروائية المصرية سلوى بكر، التي تحمل أغلب رواياتها عناوين غريبة من قبيل " كوكو سودان كباشي، زينات في جنازة الرئيس، و وصف البلبل"، فتقول في تصريح صحفي" إن العنوان شيء هام في الرواية، إذ هو مدخل القارئ إلى العالم الروائي، والعنوان الأفضل هو الذي يستطيع تكثيف الخطاب الروائي، وتلخيصه ودفع القارئ في اتجاه هذا الخطاب، مشترطة في ذلك أن يكون العنوان مجازيا ومصاغا بشكل فني بعيد عن المباشرة، فالمباشرة ضد الفن، وكذلك تعمد الغرابة أو اللجوء إليها لمجرد الترويج، ولا بد أن يراعي الكاتب ضرورات الفن وهو يختار عنوان عمله حتى وإن بدا غرائبيا، فتلك مسألة نسبية وقد لا يدرك المتلقي معنى العنوان لنقص في معرفته".
الكاتبة الأردنية عائشة العمد ، عنونت كتابها الصادر عام 2012 بعنوان " "تركت العنوان لكم"، تاركة الباب مفتوحا على احتمالات إختيار عنوان لكتابها.
ومن الكتاب من أراد بعنوان كتابه أن يقول انه ختم العلم ، وأن ليس بعد قوله قول، من قبيل الثعالبي الذي عنون كتابه بـ"الدرة الثمينة" و ابن الأثير الجزري صاحب كتاب "الكامل في التاريخ"، رغم ان العماد الاصبهاني مؤلف كتاب "خريدة القصر وجريدة اهل العصر"، يقول: إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتابًا في يومه إلا قال في غدِه: لو غُيِّر هذا لكان أحسن، ولو زيد كذا لكان يُستحسن، ولو قُدِّم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل. وهذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر".
والان.. في عصر ثورة المعلومات ووسائل الاتصال الذي نعيشه، يمكنك ان تجد كتباً أو تطبيقات تعلمك كيف تضع عنوان كتابك اومقالتك او تعنون حياتك. بل ان من هذه التطبيقات والمواقع الحديثة من يتولى كتابة الكتاب عنك.. بمجرد ان تدخل الخطوط العريضة لما تريد ان تكتبه.
ولسان حالها" لا تجهد نفسك في التفكير والكتابة ، فقوى السوق، تضع عنوان حياتك، واحيانا.. الحكومات".