برحيل "أبو الأديب" سليم الزعنون، رئيس المجلس الوطني الفلسطيني السابق، عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، يكون الرئيس محمود عباس هو آخر الباقين من المؤسسين للحركة، الذين شاركوا بقوة في تفجير الثورة الفلسطينية، وقيادة مشروعها الوطني إلى جانب قيادات جبهة التحرير الفلسطينية، الجبهة الشعبية، الجبهة الديمقراطية، وغيرهم من الفصائل والتنظيمات والأحزاب والشخصيات المستقلة الفلسطينية، في مواجهة المستعمرة الإسرائيلية ومشروعها الاحتلالي التوسعي.
"أبو الأديب" أحد المؤسسين، الموالي بقناعة، المعارض باتزان، الحقوقي مهنياً، والفلسطيني بقوة، رحل بهدوء، تاركاً أثره الوطني والشخصي للأجيال المقبلة لعلها تواصل الطريق وصناعة الحدث المستقبلي بالانتصار وانتزاع الحقوق على أرض فلسطين.
المؤسسون رحلوا، كل بطريقته، ومن تبقى له الصحة والعمر الطويلين، ولم يتبق في مؤسسة صنع القرار سوى الرئيس "أبو مازن"، مما يعني أن الجيل الثاني، وهو لم يعد شاباً، هو في مواقع صنع القرار والحدث والفعل، داخل الوطن، وبين مسامات شعبه، وجهاً لوجه في مواجهة عدوهم الوطني والقومي والديني والإنساني: المستعمرة الإسرائيلية.
لم تعد "فتح" أول الرصاص، أول الحجارة، حيث ولدت حركة "حماس"، في وقت متأخر عام 1988، ومتأخر جداً من تفجير الثورة الفلسطينية وانطلاقتها، ولكنها فرضت حضورها وباتت شريك في قيادة الشعب من موقع القوة والاقتدار، بفعل أربعة عوامل هي:
1- عملياتها الموجعة ضد المستعمرة، وتضحيات الشهداء من قياداتها وكوادرها الذين أبلوا عطاء وقدرة وتضحية.
2- مشاركتها في الانتخابات التشريعية عام 2006، وما حظيت به من نتائج منحتها رئاستي المجلس التشريعي والحكومة.
3- الانقلاب الذي بادرت إليه في حزيران 2007، وسيطرتها المنفردة على قطاع غزة.
4- انها امتداد لأكبر وأهم حركة سياسية عابرة للحدود في العالم العربي: حركة الإخوان المسلمين، التي شكلت لها مظلة ودعماً ورافعة سياسية ومادية وفكرية.
سياسياً، رغم الضجيج والتضليل، لم يعد التباين بين "فتح" و"حماس"، فاقعاً وجوهرياً، فكلتاهما تتطلع نحو حل مرحلي، ودولة فلسطينية في مناطق الاحتلال الثانية عام 1967، وكلتاهما تستأثر بما لديها من سلطة: "فتح" في رام الله، و"حماس" في غزة، وكلتاهما لديها اتفاقات أو تفاهمات مع إدارة المستعمرة، "فتح" عبر التنسيق الأمني، و"حماس" عبر التهدئة الأمنية، والفرق بين التنسيق الفتحاوي والتهدئة الحمساوية، فرق إجرائي، غير جوهري، لأن قيم التنسيق والتهدئة المفروضة ثمناً لإدارتيهما للسلطة، تجعل من "فتح" و"حماس" أسيرتا الثمن والعلاقة في التعامل مع أجهزة المستعمرة وأدواتها.
تحتفل "حماس" بولادتها، وتستعرض قدراتها، وهي محقة في ذلك، ولكنها أخفقت في تقديم نموذج ديمقراطي تعددي انتخابي في قطاع غزة.
"فتح" تستعمل حجة عدم إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، بسبب منع المستعمرة لأن تشمل الانتخابات مدينة القدس، و"حماس" تستعمل حجة عدم الاتفاق مع "فتح"، في عدم إجراء أي انتخابات في قطاع غزة يمنحها الشرعية والاستمرارية.