بالتأكيد، فإن جائحة كورونا والأزمات الإقليمية ساهمت بارتفاع معدل البطالة لما هي عليه اليوم ولكنها لا تفسر ارتفاع معدل البطالة طيلة السنوات والعقود الماضية. لقد أصبحت البطالة ظاهرة مزمنة تنطوي على مخاطر كبيرة ليس فقط على المتعطلين فقط إنما أيضًا على الأسر والمجتمع ككل.
لا أعتقد أنه تم حتى الآن تقديم تفسيرًا مقنعًا لهذا المعدل المرتفع. هناك عوامل كثيرة تذكر في معرض التفسير وهي تصلح لكل مكان وزمان ولكنها لا تساهم في الفهم كثيرًا. هناك أحجية في سوق العمل الأردني بحاجة لتفسير وقد توفر بعض مفاتيح الحل. الأحجية أنه وبالرغم من ارتفاع معدل البطالة هناك ازدياد بمشاركة غير الأردنيين بسوق العمل الأردني حيث يقدر حجمها بحوالي مليون عامل وهذا يشكل تقريبًا 50 % من حجم القوى العامله وهذا يعني وجود عاملين غير أردنيين لكل متعطل اردني.
ما يقلق أيضًا هو التراجع التدريجي الطفيف ولكن المهم المشاركة الاقتصادية للذكور والإناث من الأردنيين.
السؤال الذي لا يوجد جواب كامل له لعدم وجود دراسات هو كيف حصل ذلك ولماذا؟ احد التفسيرات الشائعه ركزت على ثقافة العيب، اي أن الأردنيين يجحمون عن العمل في العديد من المهن لأن غير الأردنيين يعملون بها، وبالرغم من أنه تفسير غير عملي وغير مقنع وله بعد أيديولوجي إلا أنه كان يلقى قبولا عندما كانت العمالة غير الأردنية تتركز في المهن الأولية وغير الماهرة.
لقد اختلف الأمر الآن، فالعمالة غير الأردنية اليوم تعمل في كافة أنواع ومستويات المهن من غير الماهرة للماهرة والماهرة جدًا ولم تعد تتركز بمهن معينة. أعتقد أن هناك مجموعة من الخصائص والتحولات التي تفاقم من البطالة في سوق العمل الأردني.
أولًا: منذ عدة عقود لم يشهد الأردن نموًا اقتصاديًا يتجاوز نسبة النمو الطبيعي للسكان أي أن المهن التي يولدها الاقتصاد الأردني أقل من نسبة الداخلين الجدد لسوق العمل الأردني ويذهب جزء منها لغير الأردنيين. برامج التصحيح الاقتصادي التي كانت في جلها ترتبط بوصفة صندوق النقد الدولي، لم تؤد لمعدلات نمو اقتصادي جيدة رغم ان اهدافها كانت تشمل ذلك.
ثانيًا: لأسباب كثيرة وبالغالب – دون التعميم– فإن هناك تفضيلا للعمالة الأجنبية من قبل القطاع الخاص وإن كنا نعرف الأسباب، إلا اننا نحتاج لتفسير من الحكومة والقطاع الخاص على حد سواء وكيف تسمح وزارة العمل باستمرار هذه الحالة.
ثالثًا: إن غالبية المهن في الاقتصاد الأردني موجودة في مشاريع صغيرة ومتوسطة الحجم ولأسباب مختلفة لا تعتبر جاذبة للعمال الأردنيين.
رابعًا: إن الثورة التقنية الرابعة وإدخال التكنولوجيا الحديثة – وإن كانت ضرورية– تساهم أيضًا في انخفاض الطلب على العمالة والتي ساهمت جائحة كورونا في تعجيل التحول لها.
خامسًا: التزام الحكومة بالسنوات الماضية أمام المجتمع الدولي بتوفير عشرات الآلاف من فرص عمل للاجئين السوريين ساهم بشكل مُباشر بزيادة اندماجهم بسوق العمل الأردني وزيادة حدة التنافس مع العمالة الأردنيين على مهن الطبقه الوسطى بشكل عام.
البطالة اليوم أصبحت أقرب إلى الجائحة التي لا يمكن معالجتها بسياسات التدخل بسوق العمل على قلتها. البطالة في الأردن هي أحد مظاهر الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد والتي لا يمكن معالجتها إلا بإيجاد حلول اقتصادية وتنموية من خلال رؤية استراتيجية لاستثمار موارد البلاد الطبيعية والبشرية على حد سواء.