يجلس الثلاثيني سيف، وسط كوفي شوب في إحدى مناطق العاصمة، بين أصدقائه، غير متردد في إظهار مسدس يحمله تحت سترته الجلدية، فيما يدخل في نقاش مع جلسائه حول ارتفاع أسعار الأسلحة النارية، وطريقة شراء مسدسه، الذي دفع لقاءه نحو 800 دينار، كما قال متأففا.
وسيف، هو واحد من شريحة من الشباب الأردني، التي اجتاحتها مؤخرا موضة وفكرة حمل السلاح، رغم قناعته بأن "مهمة الحفاظ على الأمن والاستقرار والسكينة العامة في المجتمع" هي من مسؤلية الحكومة والأجهزة الأمنية.
ولا يتردد سيف أو غيره من حملة الأسلحة، في التنظير والحديث عن إدراكهم للأضرار والمخاطر الناجمة عن حمل السلاح، والتجول به بين الناس، فضلا عن انتشار حيازته بصورة غير قانونية، ولجوء العديدين إلى استخدامه، سواء للتباهي أو للتعبير عن فرح، أو حتى ضد أشخاص آخرين، في جريمة أو اعتداء، أو "دفاع عن النفس"، بطريقة خطيرة وغير قانونية.
ويحذر مراقبون ومتابعون من تزايد ظاهرة انتشار السلاح في المجتمع، سواء المرخص منه قانونيا، أو ذلك المنتشر بصورة غير قانونية، وهي ظاهرة باتت تطفو معالمها بوضوح، من خلال عدم التردد في حمل أسلحة نارية والتلويح باستخدامها، أو اللجوء عمليا لاستخدامها في قضايا عنف مجتمعي ومشاجرات جماعية، فضلا عما تسببه من عشرات الضحايا سنويا، جراء استخدامها في الأفراح والاحتفالات الاجتماعية.
وفيما تقدر إحصاءات رسمية وجود نحو 350 ألف قطعة سلاح مرخص رسميا، فإن الأخطر هو الانتشار الواسع للسلاح غير المرخص، وكثير منها، بحسب مطلعين، هي أسلحة أوتوماتيكية، حيث يصعب حصرها بدقة، على الرغم من أن بعض التقديرات غير الرسمية ترجح وصولها إلى ضعفي أو ثلاثة أضعاف عدد الأسلحة المرخصة قانونيا، أي نحو مليون قطعة سلاح غير مرخصة.
مجتمعات تعظم
قيمة السلاح اجتماعيا
المختص في علم الجريمة في جامعة مؤتة د.عباطه التوايهة، يعزو ظاهرة حمل السلاح في المجتمعات العربية، عموما، إلى ارتباطه بترسخ عادات وتقاليد اجتماعية موروثة، تشجع على حمل واستخدام السلاح في مواقف اجتماعية وأمنية معينة، وحسب الموقف الاجتماعي، فقد يستخدم السلاح لإطلاق النار في الهواء، تعبيراً عن الفرح، كما في احتفالات الزواج والأعياد، وقد يستخدم للصيد، وأحياناًَ أخرى قد يستخدم في حل الخلافات بين الأشخاص أو المجموعات، إضافة إلى استخدامه في الجريمة، أو الأحزان أيضا، كما يحصل أحيانا عند تشييع متوفى من قبل أفراد قبيلته أو عشيرته.
ويقول التوايهة إن المجتمعات تسعى عادة لضبط قضية انتشار السلاح والسيطرة عليها، عبر منظورين؛ الأول من خلال فتح باب الترخيص لاقتناء السلاح في الحالات التي تحتاج لذلك، بخاصة في اقتناء السلاح للدفاع عن النفس والمال، أو من خلال وازع داخلي عند المواطن، بحيث يترسخ الإحساس لدى الناس بأن هناك دولة مركزية، لها أجهزتها المختصة، وهي المعنية بتوفير الأمن من خلال القانون، ومنع الاستخدامات الخاطئة للأسلحة، كما نجد في مجتمعنا.
ويشدد التوايهة، على أن وجود السلاح غير المرخص قانونيا في المجتمع، وغير المتابع من قبل الجهات المختصة، يمثل تهديدا لأمن المجتمع وسلامة أفراده، فضلا عن تشكيله اعتداء على القوانين.
ويتزايد اللجوء إلى السلاح واستخدامه، بما يهدد سلامة الأفراد وأمن المجتمع في حالات الثأر، المنتشرة كعادة متأصلة في المجتمعات العربية والنامية، إضافة إلى استخدامه في لحظات انفعالية وشجارات قبلية أو جماعية، إضافة إلى استخدامه للتعبير عن الفرح، ما قد يترك خلفه ضحايا وإصابات بريئة عديدة.
وعليه، يؤكد التوايهة ضرورة أن تتشدد الجهات المختصة في منح رخص السلاح، وتطبيق القانون على المخالفين بدون مجاملة، إضافة إلى ضرورة القيام بحملات توعية للمواطنين، لتذكيرهم وتوعيتهم بخطورة اقتناء السلاح واستخداماته الخاطئة".
انتشار السلاح.. وجبل
الجليد غير الشرعي!
الاستقصاء عن حجم انتشار ظاهرة حمل واقتناء الأسلحة في الأردن، سواء بصورة قانونية أو غير قانونية، يعد أمرا صعبا، لاعتبارات موضوعية عديدة، بخاصة وأنه ملف أمني اجتماعي حساس.
ومع ذلك، يكشف خبير أمني مطلع، يفضل عدم ذكر اسمه، لـ"الغد" أن عدد الأسلحة المرخصة في المملكة يصل إلى حوالي 350 ألف قطعة سلاح، منها 1700 قطعة مرخصة لصالح شركات الأمن والحماية، فيما يحصل نادي الرماية على ترخيص 3000 قطعة سلاح، أما الأعداد الباقية فهي تراخيص ممنوحة لأفراد، إما كرخص حمل أو اقتناء للسلاح.
والخبير نفسه، يشير إلى أن القانون يمنع منذ سنوات طويلة ترخيص الأسلحة الأوتوماتيكية، فيما أوقفت وزارة الداخلية منذ أشهر رخص حمل السلاح بدون الاقتناء.
ويوضح الخبير أن الأسلحة الأكثر ترخيصا حاليا هي بنادق الصيد، تتلوها المسدسات، بحسب الأنظمة والتعليمات الخاصة بذلك.
غير أن الأخطر في قضية السلاح في المملكة، هو انتشار مئات الآلاف منها، وبعضها أسلحة أوتوماتيكية (تحديدا رشاش الكلاشين)، بصورة غير قانونية وبدون ترخيص رسمي، تجنبا لدفع رسوم الترخيص من جهة، وتهربا من المساءلة أو الملاحقة القانونية من جهة أخرى.
وتتبع وزارة الداخلية إجراءات خاصة لإصدار تراخيص حمل واقتناء الأسلحة، استناداً لنظام الأسلحة النارية والذخائر رقم 34 لسنة 1952 وتعديلاته، إذ إن الوزارة تصدر رخصة اقتناء السلاح للشخص الطبيعي، وتعتبر الرخصة شخصية، ولا تستعمل إلا من قبل الشخص الذي صدرت باسمه.
ولا يتم إعطاء أي ترخيص لمن حكم عليه بجناية، أو لمن لم يكمل الحادية والعشرين من العمر، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الأسلحة المسموح بترخيصها وتداولها بين الأفراد هي المسدسات وبنادق الصيد فقط.
وبحسب مصدر في وزارة الداخلية، فقد أوقفت الوزارة العمل بإصدار رخص حمل السلاح، علما أن رخصة حمل السلاح مدتها سنة واحدة، تنتهي في آخر شهر كانون الأول (ديسمبر) من كل عام، وينبغي تجديدها سنويا، وبخلاف ذلك فإن الإجراء القانوني الذي يتم اتخاذه بحق الأفراد، الذين يملكون أسلحة بدون ترخيص، يتمثل بإحالتهم إلى القضاء، ليتم تطبيق أحكام القانون عليهم.
وبحسب قانون الأسلحة والذخائر، تتراوح عقوبة حمل السلاح غير المرخص من أسبوع إلى ثلاثة أشهر، ومصادرة السلاح المضبوط، فيما تتزايد العقوبة وتتضاعف في حال ارتكاب جريمة من خلاله.
ويرى مراقبون، أن عدد حالات إطلاق العيارات النارية المسجلة رسميا في الأردن، لا تعبر حقيقة عن الواقع الحقيقي لهذه الظاهرة، بخاصة وأن كثيرا من مخالفات وحالات إطلاق العيارات النارية، لا تصل إلى الجهات الرسمية أو القضاء لاعتبارات عديدة.
رسميا، وحسب سجلات الأمن العام الحديثة، يبين الناطق الإعلامي في مديرية الأمن العام، المقدم محمد الخطيب لـ"الغد"، أن عدد الإصابات الناجمة عن إطلاق العيارات النارية، مجهولة المصدر، وصلت في الفترة من الأول من كانون الثاني (يناير) 2011 حتى الثلاثين من تشرين الأول (أكتوبر) من 2011، إلى 15 إصابة، في 16 قضية مسجلة، ونجم عنها وفاة واحدة في الزرقاء.
أما في العام 2010، فوصل عدد الإصابات المسجلة بعيارات نارية مجهولة المصدر إلى 24 إصابة، في 24 قضية، نجمت عنها وفاتان في كلٍ من مادبا وجنوب عمان.
فيما يشير الخطيب، إلى أن عدد الإصابات جراء إطلاق العيارات النارية "بدون داع"، في المناسبات والأفراح، وصل إلى 35 إصابة، في الفترة السابقة نفسها، في 33 قضية، نجمت عنها 3 وفيات، في مادبا والبلقاء ووسط عمان. أما عدد الإصابات للعام 2010 فكان 21 إصابة، في 42 قضية، نجمت عنها وفاتان، في الرمثا والرصيفة.
وسجل العام الحالي عدة مشاجرات جماعية أو حالات عنف اجتماعي، استخدمت فيها الأسلحة، وبعضها أسلحة أوتوماتيكية، فيما وصل بعضها إلى درجة إطلاق النار على رجال الأمن العام أو مراكز الأمن العام، كما حدث أخيرا من إطلاق نار على مركز أمن عين الباشا مساء الأحد الماضي.
مطلوب جمع السلاح
غير القانوني
ويشدد قانونيون وعاملون في مجال حقوق الإنسان، على ضرورة أن تقوم الدولة وأجهزتها بدورها في محاربة انتشار الأسلحة بصورة غير شرعية، فضلا عن ردع استخدامها على نحو خاطئ، سواء في الأفراح أو الجرائم، وفي حالات فض النزاعات والخلافات.
ويقول رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان المحامي هاني الدحلة، إن اقتناء السلاح كان ضرورياً عندما كان الأفراد يدافعون عن أنفسهم بأنفسهم، وذلك قبل إيجاد دوائر متخصصة، تأخذ على عاتقها خدمة المجتمع في سائر المناحي. مضيفا "مع نشوء أي كيان رسمي، فإن هذا الكيان هو من يأخذ على مسؤوليته تقديم خدمات مختلفة للمواطنين، كخدمات الدفاع والإنقاذ، وخدمات الأمن والحماية، إضافة إلى توفير القضاء والفصل بين الناس في المنازعات والمشاكل".
ويشير الدحلة، إلى أن أعدادا كبيرة من الجرائم، وبخاصة جرائم القتل والاعتداء على حياة المواطنين، تتم عبر الأسلحة النارية الممنوعة، لذلك "نجد القوانين المختلفة، وفي عدد كبير من الدول، بما فيها القانون الأردني، يمنع حيازة واقتناء الأسلحة النارية، كما يحدد الأسلحة المسموح بحملها وترخيصها من قبل السلطات المختصة، كوزارة الداخلية والأمن العام".
ويعتبر الدحلة، أن منع حيازة وحمل السلاح هو "منع صوري"، قائلا إن معظم حملة ومقتني الأسلحة في المملكة يحملونه ويحوزونه بدون ترخيص، ومن السهل الحصول عليه لمن يريد، و"لهذا السبب، نجد أن كثرة حيازة السلاح الناري من قبل العديدين، تؤدي إلى وقوع العديد من الجرائم، على النحو الذي لاحظناه خلال السنوات الأخيرة بشكل عام، وخلال الثلاثة أشهر الماضية بشكل خاص".
ويدعو الدحلة الحكومة لإعادة النظر في قوانين حيازة الأسلحة، وتشديد مراقبة الحصول على السلاح من قبل المواطنين.
الشرع يشدد على حرمة
الإيذاء بالسلاح وبغيره
وفيما يتعلق بالجانب الشرعي، يبين المفتي العام للمملكة عبدالكريم الخصاونة، إن حمل السلاح "محمود في الحالات التي تستدعي حمله"، لكن "ضمن الالتزام بضوابط شرعية وأخلاقية"، كما في حمل السلاح للدفاع عن النفس والمال والعرض في الأماكن النائية، أو عند السفر خوفا من قطاع الطرق واللصوص، ولا بد أن يكون مرخصا من الجهات الأمنية حسب الأصول، بشرط ألا يشهر في وجه بريء، أو يستخدم للتهديد، أو يكون بيد السفهاء والجهال الذين لا يعرفون قيمته وكيفية استخدامه.
ويضيف الخصاونة "أما إذا كان حمل السلاح من أجل المفاخرة أو الاستعمال السيئ، فهو أمر محرم في الشريعة الإسلامية، ويزيد الأمر سوءا إذا أطلق من يحمله العيارات النارية في الأفراح وغيرها بشكل عشوائي، لأن النتيجة هي قتل بعض الناس بهذه العيارات الطائشة، ويكون القتل عمدا في هذه الحالات، ومن فعل ذلك فهو قاتل يستحق العقوبة المقررة في الشريعة الإسلامية، بخاصة وأن الجهات الأمنية تحذر بشكل متكرر من حمل السلاح واستعماله لغير حاجته والغاية المنشودة منه".
وينبه الخصاونة إلى أن "هناك العديد من حالات القتل التي حدثت في بلدنا الأردن نتيجة الاستهتار والطيش المتكرر" في استخدام السلاح.
ويبدو الشعور بحجم مشكلة انتشار السلاح في المجتمع أمرا عاما بين المواطنين، ويضاعف وطأته تزايد حالات العنف المجتمعي والشجارات الجماعية في السنوات القليلة الماضية.
ويحذر المواطن فارس عاصي البخيت، من انتشار السلاح، بخاصة أن فوضى اقتنائه بين البالغين، وحمله في الأماكن والمناسبات العامة، يعد من المؤشرات الخطيرة، التي قد تؤدي إلى تدهور الأمن وشيوع ثقافة العنف.
ويبين البخيت أن مكمن الخطورة في هذا السلاح، أنه يمكن أن يستخدم في الخلافات العائلية أو الشخصية، وقد يستغل في عمليات السطو والاعتداء، وحمله يسهم بشكل مباشر أو غير مباشر في زيادة معدلات العنف في المجتمع، كما أن من آثار ذلك أيضا ارتفاع معدلات الجريمة، مطالبا بضرورة صياغة الإجراءات النظامية التي تقنن امتلاك السلاح وتحد من انتشاره، إلا في أضيق الحدود، إلى جانب توعية أفراد المجتمع وحثهم على عدم حمل السلاح في الأماكن والمناسبات العامة.
فيما يعتبر المواطن أحمد الشراري، أن ظاهرة حمل السلاح والتجوال به في المدن الرئيسية وحيازته، "تعد واحدة من الظواهر السلبية في بلادنا، بعد أن أصبحت هذه الظاهرة السيئة تشكل مصدراً أساسياً للعنف المجتمعي، والإرهاب والجريمة بمختلف أنواعها".
ويشير الشراري إلى تزايد مخاطر هذه الظاهرة، التي "لا تنسجم بأي حال من الأحوال مع ما يشهده الوطن من تطور ونهوض حضاري في شتى المجالات"، مؤكدا ضرورة تعزيز الأمن والاستقرار والحفاظ على السكينة العامة وطمأنينة المجتمع.
ويشدد على ضرورة اتخاذ خطوات حثيثة، تهدف الى إقرار مشروع قانون حمل السلاح، وحيازته من قبل البرلمان، الذي يعد مسؤولاً أمام الشعب عن تأخير إصدار القانون المنظم لهذا الجانب الحيوي المهم.
سوق سوداء وزيادة طلب
يرفعان أسعار الأسلحة
وفي الوقت الذي تتزايد فيه التحذيرات من مخاطر انتشار ظاهرة حمل الأسلحة غير المرخصة في المجتمع، تشير المعطيات، على أرض الواقع، إلى أن أسعار الأسلحة في السوق السوداء ارتفعت بصورة واضحة خلال السنوات القليلة الماضية، ما يشير إلى ارتفاع الطلب عليها.
صاحب محل "السهل الأخضر" لبيع الأسلحة في رأس العين وسط العاصمة، محمود الطيب، يبين أن ارتفاع أسعار الأسلحة في الفترة الأخيرة، يعود لعدم توفرها وشحها، كذلك توقف عملية الاستيراد وتقليل الكمية المستوردة.
ويقول الطيب إنه منذ 10 سنوات تم تقليل الكمية المستوردة، وإلغاء استيراد المسدسات، ما أدى إلى ارتفاع سعر الأسلحة والعتاد، التي تباع رسميا في محلات مرخصة في عمان والمدن الأخرى.
ويبين الطيب أنه يسمح لمحال الأسلحة، باستيراد 25 بندقية صيد فقط، و15 ألف طلقة خرطوش، و40 ألف طلقة مسدس في السنة، في حين كان مسموحا لكل محل في الماضي استيراد 50 مسدسا، و120 بندقية صيد، و125 ألف طلقة خرطوش، و120 ألف طلقة مسدس في السنة، "ما زاد من العبء الذي لحق بنا، من إيجار محل وأجرة عامل، والظروف الاقتصادية الحالية".
ويشير الطيب، إلى أن هذه العملية دفعت لرواج بيع السلاح في السوق السوداء، بطريقة غير مشروعة، كذلك "هناك عمليات تتم من تحت الطاولة، والسماح لأشخاص باستيراد كميات كبيرة" على حد قوله.
ويبين الطيب أنه تم تشكيل لجنة مكونة من أصحاب محال الأسلحة قبل ثلاثة أشهر، وتم تقديم استدعاء لوزير الداخلية حينها، تطالب برفع كمية الاستيراد، والسماح باستيراد المسدسات، وكذلك السماح باستيراد الأسلحة الصوتية، الممنوع استيرادها، على الرغم من أنها (أي الأسلحة الصوتية) آمنة، ومرخصة في جميع دول العالم، وهي "غير مؤذية".
وشكل وزير الداخلية في حينه لجنة لمتابعة الموضوع، بحسب الطيب، الذي يضيف أنه حتى الآن ما تزال الوزارة تنظر في الموضوع.
ويقول الطيب إن الدولة "كانت مستفيدة في السابق، عندما كانت كميات الاستيراد أكبر، حيث كانت تأخذ ضريبة مبيعات، أما الآن، وفي ظل البيع في السوق السوداء، فإنها لا تجني شيئا".
ويطالب الطيب بالسماح لمحال بيع الأسلحة باستيراد المسدسات الصوتية، المسموح ببيعها في جميع دول العالم.
اما صاحب معرض "زكريا للأسلحة" مازن زكريا، والذي يعمل منذ 20 عاما في مجال الأسلحة، فيبين أن ارتفاع سعر الأسلحة في الفترة الأخيرة يعود لزيادة الطلب عليها، فضلا عن ارتفاع أسعارها في أرض المنشأ، مثل أميركا، وبريطانيا، وروسيا، وإسبانيا، إضافة إلى زيادة عدد السكان والهجرة.
ويضيف زكريا "نفاجأ كل عام، عندما نقوم بتجديد رخصة الاستيراد لمحالنا، بأن الكمية المسموح باستيرادها قد قلت، او ألغي نوع معين كنا نستورده، الأمر الذي ساهم في زيادة عمليات البيع غير المشروع في السوق السوداء، وارتفاع سعر السلاح، كما في "البواريد الهوائية"، التي كانت تباع بـ50 دينارا، وبعد منع استيرادها، أصبحت تباع في السوق السوداء بسعر يتراوح ما بين 300 دينار إلى 400 دينار".
وبحسب مصدر أمني مطلع، فإن نشر معدات وأجهزة متطورة، تحت ما يسمى "نظام السيطرة الحدودي"، على سائر المعابر، ساهم، بشكل كبير، في وقف كثير من محاولات تهريب الأسلحة عبر المنافذ الحدودية مع دول الجوار، غير أن هذا لم يكن كافيا للسيطرة على التجارة غير المشروعة العابرة للحدود، فكان لا بد من إجراءات أقوى على طول الحدود.
ويقول زكريا إن عملية البيع داخل المحلات، تتم ضمن شروط البيع، حيث لا يتم بيع من تقل أعمارهم عن 21 سنة، وبعد التأكد من هويته، كذلك لا يتم بيع أي عتاد بدون أن يكون المشتري حاملا لرخصة اقتناء، أما بالنسبة للأسلحة، فيتم بيعها وفق آلية، حيث يقوم المشتري، في البداية، بدفع قيمة السلاح، ويتم إعطاؤه وصلا بسعره، ثم يذهب المشتري بالفاتورة إلى وزارة الداخلية، ليعطى رخصة اقتناء السلاح الذي يشتريه، وبعد إحضارها يتم تسليمه السلاح. وبحسب تعديلات قانون الأسلحة النارية والذخائر رقم (34)، المادة (11)، لسنة 1952، فإنه "يعاقب كل من خالف القانون بالحبس مدة لا تتجاوز الثلاث سنوات". ويحصر القانون حيازة وحمل السلاح بالجهات الرسمية، ومنها العاملون في الأجهزة الأمنية، وأفراد القوات المسلحة، وآخرين تم ذكرهم في نص المادة 4 من قانون الأسلحة والذخائر، وهم ضباط وأفراد القوات المسلحة والأمن العام، والمخابرات العامة، والدفاع المدني، على أن يقتصر حمل الأسلحة على المسلمة لهم رسميا. كما يحصر حمل الأسلحة بحاشية جلالة الملك، والوزراء العاملين والسابقين، وأعضاء مجلس الأمة، والحكام الإداريين، إضافة إلى خفراء وحراس القصبات والقرى، على أن يكون في حيازتهم وثائق يذكر فيها نوع السلاح ورقمه، وكمية العتاد المصرح بحمله، مصدقة من مديري الشرطة، وأي مستخدم في الحكومة، سلمت إليه أسلحة بمقتضى وظيفته.
وبحسب المادة (4) من القانون، فإنه يحظر حمل السلاح، ولو كان مرخصا، أثناء الاحتفالات والأعراس، وأي اجتماع يزيد فيه عدد الحضور على عشرة أشخاص.
وتعد أفعال إطلاق العيارات النارية في المناسبات الاجتماعية، على اختلافها، وما ينجم عنها من وفيات أو إصابات، بحسب القانون، مجرمة قانونا، وترتقي إلى جناية القتل القصد أو الشروع به، وفقا للمادة 326 أو 70 من قانون العقوبات، بدلالة المادة 64 من القانون ذاته، بتوافر القصد الاحتمالي لهذه النتيجة الجرمية.
وضمن المحاولات الحكومية الرسمية للسيطرة على استعمال السلاح محلياً، أعلنت وزارة الداخلية، مؤخراً، أنها بصدد مراجعة قانون "الأسلحة والذخائر"، المعمول به حاليا، بهدف تشديد العقوبات على المخالفين لأحكامه.
وسيف، هو واحد من شريحة من الشباب الأردني، التي اجتاحتها مؤخرا موضة وفكرة حمل السلاح، رغم قناعته بأن "مهمة الحفاظ على الأمن والاستقرار والسكينة العامة في المجتمع" هي من مسؤلية الحكومة والأجهزة الأمنية.
ولا يتردد سيف أو غيره من حملة الأسلحة، في التنظير والحديث عن إدراكهم للأضرار والمخاطر الناجمة عن حمل السلاح، والتجول به بين الناس، فضلا عن انتشار حيازته بصورة غير قانونية، ولجوء العديدين إلى استخدامه، سواء للتباهي أو للتعبير عن فرح، أو حتى ضد أشخاص آخرين، في جريمة أو اعتداء، أو "دفاع عن النفس"، بطريقة خطيرة وغير قانونية.
ويحذر مراقبون ومتابعون من تزايد ظاهرة انتشار السلاح في المجتمع، سواء المرخص منه قانونيا، أو ذلك المنتشر بصورة غير قانونية، وهي ظاهرة باتت تطفو معالمها بوضوح، من خلال عدم التردد في حمل أسلحة نارية والتلويح باستخدامها، أو اللجوء عمليا لاستخدامها في قضايا عنف مجتمعي ومشاجرات جماعية، فضلا عما تسببه من عشرات الضحايا سنويا، جراء استخدامها في الأفراح والاحتفالات الاجتماعية.
وفيما تقدر إحصاءات رسمية وجود نحو 350 ألف قطعة سلاح مرخص رسميا، فإن الأخطر هو الانتشار الواسع للسلاح غير المرخص، وكثير منها، بحسب مطلعين، هي أسلحة أوتوماتيكية، حيث يصعب حصرها بدقة، على الرغم من أن بعض التقديرات غير الرسمية ترجح وصولها إلى ضعفي أو ثلاثة أضعاف عدد الأسلحة المرخصة قانونيا، أي نحو مليون قطعة سلاح غير مرخصة.
مجتمعات تعظم
قيمة السلاح اجتماعيا
المختص في علم الجريمة في جامعة مؤتة د.عباطه التوايهة، يعزو ظاهرة حمل السلاح في المجتمعات العربية، عموما، إلى ارتباطه بترسخ عادات وتقاليد اجتماعية موروثة، تشجع على حمل واستخدام السلاح في مواقف اجتماعية وأمنية معينة، وحسب الموقف الاجتماعي، فقد يستخدم السلاح لإطلاق النار في الهواء، تعبيراً عن الفرح، كما في احتفالات الزواج والأعياد، وقد يستخدم للصيد، وأحياناًَ أخرى قد يستخدم في حل الخلافات بين الأشخاص أو المجموعات، إضافة إلى استخدامه في الجريمة، أو الأحزان أيضا، كما يحصل أحيانا عند تشييع متوفى من قبل أفراد قبيلته أو عشيرته.
ويقول التوايهة إن المجتمعات تسعى عادة لضبط قضية انتشار السلاح والسيطرة عليها، عبر منظورين؛ الأول من خلال فتح باب الترخيص لاقتناء السلاح في الحالات التي تحتاج لذلك، بخاصة في اقتناء السلاح للدفاع عن النفس والمال، أو من خلال وازع داخلي عند المواطن، بحيث يترسخ الإحساس لدى الناس بأن هناك دولة مركزية، لها أجهزتها المختصة، وهي المعنية بتوفير الأمن من خلال القانون، ومنع الاستخدامات الخاطئة للأسلحة، كما نجد في مجتمعنا.
ويشدد التوايهة، على أن وجود السلاح غير المرخص قانونيا في المجتمع، وغير المتابع من قبل الجهات المختصة، يمثل تهديدا لأمن المجتمع وسلامة أفراده، فضلا عن تشكيله اعتداء على القوانين.
ويتزايد اللجوء إلى السلاح واستخدامه، بما يهدد سلامة الأفراد وأمن المجتمع في حالات الثأر، المنتشرة كعادة متأصلة في المجتمعات العربية والنامية، إضافة إلى استخدامه في لحظات انفعالية وشجارات قبلية أو جماعية، إضافة إلى استخدامه للتعبير عن الفرح، ما قد يترك خلفه ضحايا وإصابات بريئة عديدة.
وعليه، يؤكد التوايهة ضرورة أن تتشدد الجهات المختصة في منح رخص السلاح، وتطبيق القانون على المخالفين بدون مجاملة، إضافة إلى ضرورة القيام بحملات توعية للمواطنين، لتذكيرهم وتوعيتهم بخطورة اقتناء السلاح واستخداماته الخاطئة".
انتشار السلاح.. وجبل
الجليد غير الشرعي!
الاستقصاء عن حجم انتشار ظاهرة حمل واقتناء الأسلحة في الأردن، سواء بصورة قانونية أو غير قانونية، يعد أمرا صعبا، لاعتبارات موضوعية عديدة، بخاصة وأنه ملف أمني اجتماعي حساس.
ومع ذلك، يكشف خبير أمني مطلع، يفضل عدم ذكر اسمه، لـ"الغد" أن عدد الأسلحة المرخصة في المملكة يصل إلى حوالي 350 ألف قطعة سلاح، منها 1700 قطعة مرخصة لصالح شركات الأمن والحماية، فيما يحصل نادي الرماية على ترخيص 3000 قطعة سلاح، أما الأعداد الباقية فهي تراخيص ممنوحة لأفراد، إما كرخص حمل أو اقتناء للسلاح.
والخبير نفسه، يشير إلى أن القانون يمنع منذ سنوات طويلة ترخيص الأسلحة الأوتوماتيكية، فيما أوقفت وزارة الداخلية منذ أشهر رخص حمل السلاح بدون الاقتناء.
ويوضح الخبير أن الأسلحة الأكثر ترخيصا حاليا هي بنادق الصيد، تتلوها المسدسات، بحسب الأنظمة والتعليمات الخاصة بذلك.
غير أن الأخطر في قضية السلاح في المملكة، هو انتشار مئات الآلاف منها، وبعضها أسلحة أوتوماتيكية (تحديدا رشاش الكلاشين)، بصورة غير قانونية وبدون ترخيص رسمي، تجنبا لدفع رسوم الترخيص من جهة، وتهربا من المساءلة أو الملاحقة القانونية من جهة أخرى.
وتتبع وزارة الداخلية إجراءات خاصة لإصدار تراخيص حمل واقتناء الأسلحة، استناداً لنظام الأسلحة النارية والذخائر رقم 34 لسنة 1952 وتعديلاته، إذ إن الوزارة تصدر رخصة اقتناء السلاح للشخص الطبيعي، وتعتبر الرخصة شخصية، ولا تستعمل إلا من قبل الشخص الذي صدرت باسمه.
ولا يتم إعطاء أي ترخيص لمن حكم عليه بجناية، أو لمن لم يكمل الحادية والعشرين من العمر، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الأسلحة المسموح بترخيصها وتداولها بين الأفراد هي المسدسات وبنادق الصيد فقط.
وبحسب مصدر في وزارة الداخلية، فقد أوقفت الوزارة العمل بإصدار رخص حمل السلاح، علما أن رخصة حمل السلاح مدتها سنة واحدة، تنتهي في آخر شهر كانون الأول (ديسمبر) من كل عام، وينبغي تجديدها سنويا، وبخلاف ذلك فإن الإجراء القانوني الذي يتم اتخاذه بحق الأفراد، الذين يملكون أسلحة بدون ترخيص، يتمثل بإحالتهم إلى القضاء، ليتم تطبيق أحكام القانون عليهم.
وبحسب قانون الأسلحة والذخائر، تتراوح عقوبة حمل السلاح غير المرخص من أسبوع إلى ثلاثة أشهر، ومصادرة السلاح المضبوط، فيما تتزايد العقوبة وتتضاعف في حال ارتكاب جريمة من خلاله.
ويرى مراقبون، أن عدد حالات إطلاق العيارات النارية المسجلة رسميا في الأردن، لا تعبر حقيقة عن الواقع الحقيقي لهذه الظاهرة، بخاصة وأن كثيرا من مخالفات وحالات إطلاق العيارات النارية، لا تصل إلى الجهات الرسمية أو القضاء لاعتبارات عديدة.
رسميا، وحسب سجلات الأمن العام الحديثة، يبين الناطق الإعلامي في مديرية الأمن العام، المقدم محمد الخطيب لـ"الغد"، أن عدد الإصابات الناجمة عن إطلاق العيارات النارية، مجهولة المصدر، وصلت في الفترة من الأول من كانون الثاني (يناير) 2011 حتى الثلاثين من تشرين الأول (أكتوبر) من 2011، إلى 15 إصابة، في 16 قضية مسجلة، ونجم عنها وفاة واحدة في الزرقاء.
أما في العام 2010، فوصل عدد الإصابات المسجلة بعيارات نارية مجهولة المصدر إلى 24 إصابة، في 24 قضية، نجمت عنها وفاتان في كلٍ من مادبا وجنوب عمان.
فيما يشير الخطيب، إلى أن عدد الإصابات جراء إطلاق العيارات النارية "بدون داع"، في المناسبات والأفراح، وصل إلى 35 إصابة، في الفترة السابقة نفسها، في 33 قضية، نجمت عنها 3 وفيات، في مادبا والبلقاء ووسط عمان. أما عدد الإصابات للعام 2010 فكان 21 إصابة، في 42 قضية، نجمت عنها وفاتان، في الرمثا والرصيفة.
وسجل العام الحالي عدة مشاجرات جماعية أو حالات عنف اجتماعي، استخدمت فيها الأسلحة، وبعضها أسلحة أوتوماتيكية، فيما وصل بعضها إلى درجة إطلاق النار على رجال الأمن العام أو مراكز الأمن العام، كما حدث أخيرا من إطلاق نار على مركز أمن عين الباشا مساء الأحد الماضي.
مطلوب جمع السلاح
غير القانوني
ويشدد قانونيون وعاملون في مجال حقوق الإنسان، على ضرورة أن تقوم الدولة وأجهزتها بدورها في محاربة انتشار الأسلحة بصورة غير شرعية، فضلا عن ردع استخدامها على نحو خاطئ، سواء في الأفراح أو الجرائم، وفي حالات فض النزاعات والخلافات.
ويقول رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان المحامي هاني الدحلة، إن اقتناء السلاح كان ضرورياً عندما كان الأفراد يدافعون عن أنفسهم بأنفسهم، وذلك قبل إيجاد دوائر متخصصة، تأخذ على عاتقها خدمة المجتمع في سائر المناحي. مضيفا "مع نشوء أي كيان رسمي، فإن هذا الكيان هو من يأخذ على مسؤوليته تقديم خدمات مختلفة للمواطنين، كخدمات الدفاع والإنقاذ، وخدمات الأمن والحماية، إضافة إلى توفير القضاء والفصل بين الناس في المنازعات والمشاكل".
ويشير الدحلة، إلى أن أعدادا كبيرة من الجرائم، وبخاصة جرائم القتل والاعتداء على حياة المواطنين، تتم عبر الأسلحة النارية الممنوعة، لذلك "نجد القوانين المختلفة، وفي عدد كبير من الدول، بما فيها القانون الأردني، يمنع حيازة واقتناء الأسلحة النارية، كما يحدد الأسلحة المسموح بحملها وترخيصها من قبل السلطات المختصة، كوزارة الداخلية والأمن العام".
ويعتبر الدحلة، أن منع حيازة وحمل السلاح هو "منع صوري"، قائلا إن معظم حملة ومقتني الأسلحة في المملكة يحملونه ويحوزونه بدون ترخيص، ومن السهل الحصول عليه لمن يريد، و"لهذا السبب، نجد أن كثرة حيازة السلاح الناري من قبل العديدين، تؤدي إلى وقوع العديد من الجرائم، على النحو الذي لاحظناه خلال السنوات الأخيرة بشكل عام، وخلال الثلاثة أشهر الماضية بشكل خاص".
ويدعو الدحلة الحكومة لإعادة النظر في قوانين حيازة الأسلحة، وتشديد مراقبة الحصول على السلاح من قبل المواطنين.
الشرع يشدد على حرمة
الإيذاء بالسلاح وبغيره
وفيما يتعلق بالجانب الشرعي، يبين المفتي العام للمملكة عبدالكريم الخصاونة، إن حمل السلاح "محمود في الحالات التي تستدعي حمله"، لكن "ضمن الالتزام بضوابط شرعية وأخلاقية"، كما في حمل السلاح للدفاع عن النفس والمال والعرض في الأماكن النائية، أو عند السفر خوفا من قطاع الطرق واللصوص، ولا بد أن يكون مرخصا من الجهات الأمنية حسب الأصول، بشرط ألا يشهر في وجه بريء، أو يستخدم للتهديد، أو يكون بيد السفهاء والجهال الذين لا يعرفون قيمته وكيفية استخدامه.
ويضيف الخصاونة "أما إذا كان حمل السلاح من أجل المفاخرة أو الاستعمال السيئ، فهو أمر محرم في الشريعة الإسلامية، ويزيد الأمر سوءا إذا أطلق من يحمله العيارات النارية في الأفراح وغيرها بشكل عشوائي، لأن النتيجة هي قتل بعض الناس بهذه العيارات الطائشة، ويكون القتل عمدا في هذه الحالات، ومن فعل ذلك فهو قاتل يستحق العقوبة المقررة في الشريعة الإسلامية، بخاصة وأن الجهات الأمنية تحذر بشكل متكرر من حمل السلاح واستعماله لغير حاجته والغاية المنشودة منه".
وينبه الخصاونة إلى أن "هناك العديد من حالات القتل التي حدثت في بلدنا الأردن نتيجة الاستهتار والطيش المتكرر" في استخدام السلاح.
ويبدو الشعور بحجم مشكلة انتشار السلاح في المجتمع أمرا عاما بين المواطنين، ويضاعف وطأته تزايد حالات العنف المجتمعي والشجارات الجماعية في السنوات القليلة الماضية.
ويحذر المواطن فارس عاصي البخيت، من انتشار السلاح، بخاصة أن فوضى اقتنائه بين البالغين، وحمله في الأماكن والمناسبات العامة، يعد من المؤشرات الخطيرة، التي قد تؤدي إلى تدهور الأمن وشيوع ثقافة العنف.
ويبين البخيت أن مكمن الخطورة في هذا السلاح، أنه يمكن أن يستخدم في الخلافات العائلية أو الشخصية، وقد يستغل في عمليات السطو والاعتداء، وحمله يسهم بشكل مباشر أو غير مباشر في زيادة معدلات العنف في المجتمع، كما أن من آثار ذلك أيضا ارتفاع معدلات الجريمة، مطالبا بضرورة صياغة الإجراءات النظامية التي تقنن امتلاك السلاح وتحد من انتشاره، إلا في أضيق الحدود، إلى جانب توعية أفراد المجتمع وحثهم على عدم حمل السلاح في الأماكن والمناسبات العامة.
فيما يعتبر المواطن أحمد الشراري، أن ظاهرة حمل السلاح والتجوال به في المدن الرئيسية وحيازته، "تعد واحدة من الظواهر السلبية في بلادنا، بعد أن أصبحت هذه الظاهرة السيئة تشكل مصدراً أساسياً للعنف المجتمعي، والإرهاب والجريمة بمختلف أنواعها".
ويشير الشراري إلى تزايد مخاطر هذه الظاهرة، التي "لا تنسجم بأي حال من الأحوال مع ما يشهده الوطن من تطور ونهوض حضاري في شتى المجالات"، مؤكدا ضرورة تعزيز الأمن والاستقرار والحفاظ على السكينة العامة وطمأنينة المجتمع.
ويشدد على ضرورة اتخاذ خطوات حثيثة، تهدف الى إقرار مشروع قانون حمل السلاح، وحيازته من قبل البرلمان، الذي يعد مسؤولاً أمام الشعب عن تأخير إصدار القانون المنظم لهذا الجانب الحيوي المهم.
سوق سوداء وزيادة طلب
يرفعان أسعار الأسلحة
وفي الوقت الذي تتزايد فيه التحذيرات من مخاطر انتشار ظاهرة حمل الأسلحة غير المرخصة في المجتمع، تشير المعطيات، على أرض الواقع، إلى أن أسعار الأسلحة في السوق السوداء ارتفعت بصورة واضحة خلال السنوات القليلة الماضية، ما يشير إلى ارتفاع الطلب عليها.
صاحب محل "السهل الأخضر" لبيع الأسلحة في رأس العين وسط العاصمة، محمود الطيب، يبين أن ارتفاع أسعار الأسلحة في الفترة الأخيرة، يعود لعدم توفرها وشحها، كذلك توقف عملية الاستيراد وتقليل الكمية المستوردة.
ويقول الطيب إنه منذ 10 سنوات تم تقليل الكمية المستوردة، وإلغاء استيراد المسدسات، ما أدى إلى ارتفاع سعر الأسلحة والعتاد، التي تباع رسميا في محلات مرخصة في عمان والمدن الأخرى.
ويبين الطيب أنه يسمح لمحال الأسلحة، باستيراد 25 بندقية صيد فقط، و15 ألف طلقة خرطوش، و40 ألف طلقة مسدس في السنة، في حين كان مسموحا لكل محل في الماضي استيراد 50 مسدسا، و120 بندقية صيد، و125 ألف طلقة خرطوش، و120 ألف طلقة مسدس في السنة، "ما زاد من العبء الذي لحق بنا، من إيجار محل وأجرة عامل، والظروف الاقتصادية الحالية".
ويشير الطيب، إلى أن هذه العملية دفعت لرواج بيع السلاح في السوق السوداء، بطريقة غير مشروعة، كذلك "هناك عمليات تتم من تحت الطاولة، والسماح لأشخاص باستيراد كميات كبيرة" على حد قوله.
ويبين الطيب أنه تم تشكيل لجنة مكونة من أصحاب محال الأسلحة قبل ثلاثة أشهر، وتم تقديم استدعاء لوزير الداخلية حينها، تطالب برفع كمية الاستيراد، والسماح باستيراد المسدسات، وكذلك السماح باستيراد الأسلحة الصوتية، الممنوع استيرادها، على الرغم من أنها (أي الأسلحة الصوتية) آمنة، ومرخصة في جميع دول العالم، وهي "غير مؤذية".
وشكل وزير الداخلية في حينه لجنة لمتابعة الموضوع، بحسب الطيب، الذي يضيف أنه حتى الآن ما تزال الوزارة تنظر في الموضوع.
ويقول الطيب إن الدولة "كانت مستفيدة في السابق، عندما كانت كميات الاستيراد أكبر، حيث كانت تأخذ ضريبة مبيعات، أما الآن، وفي ظل البيع في السوق السوداء، فإنها لا تجني شيئا".
ويطالب الطيب بالسماح لمحال بيع الأسلحة باستيراد المسدسات الصوتية، المسموح ببيعها في جميع دول العالم.
اما صاحب معرض "زكريا للأسلحة" مازن زكريا، والذي يعمل منذ 20 عاما في مجال الأسلحة، فيبين أن ارتفاع سعر الأسلحة في الفترة الأخيرة يعود لزيادة الطلب عليها، فضلا عن ارتفاع أسعارها في أرض المنشأ، مثل أميركا، وبريطانيا، وروسيا، وإسبانيا، إضافة إلى زيادة عدد السكان والهجرة.
ويضيف زكريا "نفاجأ كل عام، عندما نقوم بتجديد رخصة الاستيراد لمحالنا، بأن الكمية المسموح باستيرادها قد قلت، او ألغي نوع معين كنا نستورده، الأمر الذي ساهم في زيادة عمليات البيع غير المشروع في السوق السوداء، وارتفاع سعر السلاح، كما في "البواريد الهوائية"، التي كانت تباع بـ50 دينارا، وبعد منع استيرادها، أصبحت تباع في السوق السوداء بسعر يتراوح ما بين 300 دينار إلى 400 دينار".
وبحسب مصدر أمني مطلع، فإن نشر معدات وأجهزة متطورة، تحت ما يسمى "نظام السيطرة الحدودي"، على سائر المعابر، ساهم، بشكل كبير، في وقف كثير من محاولات تهريب الأسلحة عبر المنافذ الحدودية مع دول الجوار، غير أن هذا لم يكن كافيا للسيطرة على التجارة غير المشروعة العابرة للحدود، فكان لا بد من إجراءات أقوى على طول الحدود.
ويقول زكريا إن عملية البيع داخل المحلات، تتم ضمن شروط البيع، حيث لا يتم بيع من تقل أعمارهم عن 21 سنة، وبعد التأكد من هويته، كذلك لا يتم بيع أي عتاد بدون أن يكون المشتري حاملا لرخصة اقتناء، أما بالنسبة للأسلحة، فيتم بيعها وفق آلية، حيث يقوم المشتري، في البداية، بدفع قيمة السلاح، ويتم إعطاؤه وصلا بسعره، ثم يذهب المشتري بالفاتورة إلى وزارة الداخلية، ليعطى رخصة اقتناء السلاح الذي يشتريه، وبعد إحضارها يتم تسليمه السلاح. وبحسب تعديلات قانون الأسلحة النارية والذخائر رقم (34)، المادة (11)، لسنة 1952، فإنه "يعاقب كل من خالف القانون بالحبس مدة لا تتجاوز الثلاث سنوات". ويحصر القانون حيازة وحمل السلاح بالجهات الرسمية، ومنها العاملون في الأجهزة الأمنية، وأفراد القوات المسلحة، وآخرين تم ذكرهم في نص المادة 4 من قانون الأسلحة والذخائر، وهم ضباط وأفراد القوات المسلحة والأمن العام، والمخابرات العامة، والدفاع المدني، على أن يقتصر حمل الأسلحة على المسلمة لهم رسميا. كما يحصر حمل الأسلحة بحاشية جلالة الملك، والوزراء العاملين والسابقين، وأعضاء مجلس الأمة، والحكام الإداريين، إضافة إلى خفراء وحراس القصبات والقرى، على أن يكون في حيازتهم وثائق يذكر فيها نوع السلاح ورقمه، وكمية العتاد المصرح بحمله، مصدقة من مديري الشرطة، وأي مستخدم في الحكومة، سلمت إليه أسلحة بمقتضى وظيفته.
وبحسب المادة (4) من القانون، فإنه يحظر حمل السلاح، ولو كان مرخصا، أثناء الاحتفالات والأعراس، وأي اجتماع يزيد فيه عدد الحضور على عشرة أشخاص.
وتعد أفعال إطلاق العيارات النارية في المناسبات الاجتماعية، على اختلافها، وما ينجم عنها من وفيات أو إصابات، بحسب القانون، مجرمة قانونا، وترتقي إلى جناية القتل القصد أو الشروع به، وفقا للمادة 326 أو 70 من قانون العقوبات، بدلالة المادة 64 من القانون ذاته، بتوافر القصد الاحتمالي لهذه النتيجة الجرمية.
وضمن المحاولات الحكومية الرسمية للسيطرة على استعمال السلاح محلياً، أعلنت وزارة الداخلية، مؤخراً، أنها بصدد مراجعة قانون "الأسلحة والذخائر"، المعمول به حاليا، بهدف تشديد العقوبات على المخالفين لأحكامه.