كما أسلفنا في مقال سابق فقد جاء التقرير الذي يغطي ستة محاور رئيسية تهدف كما هو مُعلن و مفصح عنه إلى ضمان حصول المستهلك المالي على المعاملة العادلة والشفافة عند تعامله مع البنوك أو الشركات المالية غير البنكية وهنا نطرح أسئلة تحتاج من وجهة نظرنا إلى دراسة وتحليل وتفسير من البنك المركزي ومن المشتغلين على الشؤون المالية والاقتصادية في محاولة للوصول للهدف المعلن بتحقيق العدالة المالية والشفافية المطلوبة.
لقد أورد التقرير نتائج الاستبيان الاليكتروني الذي جاء تحت عنوان استعادة عملاء القطاع المصرفي قدرتهم على السداد في ظل جائحة كورونا والذي جاءت نتائجه بأن الفترة اللازمة لاستعادة العملاء الممنوحين تسهيلات مصرفية عافيتهم تبلغ بالمتوسط 6 أشهر حيث تم تنفيذ الاستبيان للفترة من 28/6/2020- 9/7/2020 واللافت في الأمر أن حجم تراجع أرباح البنوك في العام 2020 بالمقارنة مع العام 2019 بلغ 537 مليون دينار وبنسبة انخفاض بحدود 66% , فيما زادت المخصصات الائتمانية بحدود 189 % عن مثيلاتها في العام 2019?! اذا كان التقرير يشير إلى الحاجة إلى 6 شهور للتعافي فلماذا كل هذا الانخفاض في أرباح البنوك ؟ ولماذا زادت المخصصات بهذه النسبة ، نستطيع أن نتفهم مبررات التحوط والحيطة والحذر بحدود محسوبة ومبررة ولكن مثل هذه المبالغة تجحف بحق المساهم الذي أضعف تراجع قيمة مساهمته وتراجع نسب توزيعاته قدرته وملائته المالية ، أضف إلى ذلك أن نسبة كبيرة من المساهمين هم مقترضون اصلا من البنوك أو من خلال وسطائهم الماليين من خلال تمويل الهامش فأين المنطق والعدالة في عدم ضبط المخصصات ؟! سلطة البنك المركزي مطلوبة للتيقن من معقولية المخصصات وحجمها . والسؤال القائم هل كانت المخصصات موجهة لتعثر فئة معينة من العملاء ولاستدراك مخاطر محتملة ؟ أم أن أثر تطبيق معيار التقارير الدولية رقم 9 على احتساب مخصصات التسهيلات كان السبب في هذه الزيادة ؟ لا شك أن احد متطلبات الإفصاح المالي الصادرة عن هيئة الأوراق المالية بحكم تبعية البنوك لها باعتبارها شركات مساهمة عامة تقتضي تفسير هذا التغير في المخصصات باعتباره حدثاً جوهرياً يؤثر على النتائج المالية فمتى نشهد إفصاح مفصل صادر عن بنك بحجم الأثر المادي لزيادة هذه المخصصات ؟ ومتى نشهد دراسة موضوعية صادرة عن دوائر الأبحاث والدراسات في البنوك تُشخص هذا التراجع في النتائج والزيادة في المخصصات وتحدد استراتيجيات البنوك في إعادة تمكين عملائها من استعادة قدرات عملائها باعتبارهم شركاء في النجاح وتحقيق الأرباح ؟
وإذا كان الحديث عن عمل البنك المركزي في تحقيق العدالة والشفافية ووضع حدود للفوائد والعمولات فيما يخص شركات التمويل الأصغر فإنه من غير المفهوم انسجام ذلك في ظل تقاضي هذه الشركات أسعار فوائد وعمولات أعلى بكثير من البنوك ؟ والغريب أن البنوك تمتلك شركات التمويل في جزء منها ! كيف نقوم بتطبيق تمكين الأفراد المبتدئين والأعمال الصغيرة من بناء قدراتهم واستقلالهم المالي في ظل ارتفاع كلف اقتراضهم من هذه الشركات باعتبارهم غير مقبولين ائتمانياً من البنوك !؟ ولماذا يتم قبول عميل من قبل شركة تابعة لبنك في حين ترفض معاملته البنكية ؟!
اذا كان الهدف الأساسي من شركات التمويل الأصغر يكمن في توفير تمويل لمشاريع صغيرة لافراد ومؤسسات وافكار ريادية للشباب والحرفيين والى اي مدى تحققت الغاية منها؟ ولماذا تم السكوت عن هذا التحول في الغايات والأهداف ؟
إن أحد مرتكزات الاشتمال المالي يقوم على توفير آليات ماليه ونوافذ تمكن المستهلك المالي من الاستفادة والاستمرارية وتقليل نسبة التعثر من خلال منتجات مالية بأسعار مقبولة وهو غير متحقق من خلال الآليات المالية والسياسات النقدية المعمول بها بشقها الائتماني في شركات التمويل الأصغر .
توسيع البرامج الائتمانية وتطوير قدرات الأفراد والمؤسسات والشركات يحتاج إلى سياسة وطنية والتزام اخلاقي واجتماعي وتقييم يتعدى إنجاز تقرير سنوي للبنك المركزي رغم كل الجهد المبذول فيه .