الوعي موضوع شائك جداً عند وبين العلماء والفلاسفة، فلكل منهم فيه نظر، او نظرية، أو فلسفة تتفق أو تختلف. وعليه فإنه صعب جداً علي بل ومحرج لي التعلمن او التفلسف فيه، أو الإدعاء بأن ما أقوله فيه في هذه المقالة يقطع قول كل ناقد. إنه مجرد رأي أو اجتهاد يلح عليّ، لا أستطيع التخلص منه إلا بكتابته ونشره ولو في المنجرة.
عندما يقول الناس: إن فلاناً واع فإنهم يقصدون القول – عادة – : إنه منتبه لحاله، أو فاهم الموضوع أو الشأن المعني. وعندما يقولون: إن فلاناً فاقد الوعي فإنهم يقصدون القول: أنه لا يدري من أمره أو من أمر ما يجري شيئاً، أو أنه يقول منكراً أو شيئاً خطيراً لا يعرف عواقبه، أو أنه مبنّج استعداداً لعملية جراحية، أو فاقد الوعي في أثرها، أو مصاب بدماغه جراء حادث، باعتبار الدماغ مصدر الإحساس والوعي.
الوعي في المعجم الوسيط هو: الحفظ والتقدير أو الفهم وسلامة الإدراك. وفي المنجد هو : الجمع والاحتواء، أو القبول والتقدير والحفظـ، أو الشعور الظاهر. وهو الإدراك في علم النفس . وهو في الفلسفة: القدرة العقلية المتميزة بالمشاعر والفكر، أو الإرادة والاختيار. وهو عند ديكارت ــ الفيلسوف وعالم الرياضيات الفرنسي ــ: إدراك المرء لوجوده نتيجة التفكير، فقد قال: « أنا أفكر . إذن أنا موجود».
يبدو أن الفكر او التفكير (الحرّ) عند مجمل الأنظمة العربية ممنوع باستراتيجية التخدير التي تتبناها. وعند الإرهابيين التكفيريين عورة توجب قطع الرؤوس المفكّرة، وإلغاء الوجود. أي قلب قاعدة ديكارت رأساً على عقب:أنا لا أفكر. إذن أنا موجود. أو أنا أفكر إذن أنا غير موجود.
والوعي أنواع، فهو وعي فردي، أو جمعي، أو طبقي . وهو وعي اجتماعي، أو صحي، أو تربوي، أو ديني، أو اقتصادي ... أو سياسي، أو وعي عام لها جميعاً.
وعندي أن الوعي السياسي (هو قمة (الأوعاء) جميعاً أو أعلى درجات الوعي. ويعني معرفة المرء لمركزه ومركزمجتمعه وشعبه وأمته... في العالم. أي بدءاً من ذاته وانتهاء بالعالم، ولكن في إطار العدل والمحبة والحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان أي إيجابياً وإلا كان وعياً سلبياً، أو شوفينياً، أو عنصرياً، أو أيدولوجياً... متطرفاً، أو إرهابياً.
الوعي السياسي، القوي يجعل القضايا والمشكلات الوطنية والإقليمية والعالمية وبخاصة في هذا العصر العولمي قضايا ومشكلات شخصية عند المرء. فعلى سبيل المثال فإنني كلما سألت (ح) عن حاله: أجاب إذا استثنيت قضايا فلسطين والعراق والسودان وأفغانستان واليمن والكونغو ... فإنني بخير.
وإذا كان الأمر كذلك فإنه يجب على كل امريء أن يتوج عمله أو مهنته أو تخصصه بالوعي السياسي أو يبنيها عليه في الإطار السالف الذكر لأن الوعي السياسي والحياد لا يلتقيان.
يجب عليه متابعة الأنباء والأحداث ورؤيتها من جانبيها أو من جميع جوانبها في حالة من الهدوء العقلي ليكون حكمه موضوعياً، لأن الانفعال الشديد يشوهه. كما يجب عليه الإحاطة بالمفاهيم
وإذا كان الأمر كذلك فإن كل أمريء مسؤول سياسياً ليس بمقدار ما يعرف فقط، بل بمقدار ما لا يعرف. إن اللا- وعي السياسي يعطل طاقة المرء ويضيف إلى قوة أعداء الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان ضده أيضاً. إن غياب الوعي السياسي عند المرء يجعله يتصرف دون هدى أو بوصلة، أي يجعله تافهاً أو تائهاً مثل ثور الله في برسيمه، وإن كان يتخذ باستمرار، أي في صحوه وحتى في نومه (فالأحلام تعبر عن ذلك) قرارات سياسية. فكر في الأمر وأطل التأمل فيه تجد مجمل قراراتك سياسية أو ذات أبعاد سياسية واعية أو غير واعية. وعليه فإن التهرب من الوعي السياسي يعني الإندهاش أو الإلتخام بالأحداث والاستسلام التام لها وترك الآخرين يقررون مصيرك. ولكن ضرورة الوعي السياسي لا تعني تحول كل إنسان إلى سياسي أو إلى طالب في قسم العلوم السياسية في الجامعة، وإن كان متطلباً أو مؤهلاً لازماً لكل مشتغل بالسياسة.
يبدأ تكوين الوعي السياسي من الطفولة ويستمر طيلة الحياة، ولكنه يصقل في المدرسة والجامعة والحياة العامة بالتعلم والممارسة والمطالعة والمتابعة وإلا كانت المدرسة والجامعة أشبه بمعتقلات نهارية للأطفال والشباب أو مراكز تخدير لهم. فعندئذ يقفر المجتمع من القادة فيتولى الجهلة أو فاقدو الوعي السياسي أمرها.
وخلاصة القول: لا يصلح أي وعي ومن أي مقدار وفي أي موضوع بدون الوعي السياسي، ولا قيمة لأي وعي سياسي لا ينتمي إلى العدل والمحبة والحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان.