نتنياهو يخاف تهم الفساد ولا يكترث بجرائم الحرب.. لماذا؟
علي سعادة
أخبار البلد - رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو يخاف من فضح فساده أكثر من خوفه من الحديث حول جرائمه التي يرتكبها في قطاع غزة وفي الضفة الغربية وفي لبنان. جرائمه يسوقها للإسرائيليين وللعالم بوصفها جزءا من "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها” وهي في الواقع قوة محتلة ومغتصبة، لكن فساده يراه الصهاينة سرقة لهم واحتيال وخداع لهم من قبل "سياسي منتخب” يتقن صناعة الأكاذيب والتضليل. لذلك غضب وأزبد وأرعد وأبرق نتنياهو لمنع عرض الفيلم الوثائقي "ملفات بيبي” الذي يحتوي على وثائق مسربة تخص السياسة الإسرائيلية وملفات الفساد المتهم بها وعائلته. الفيلم يسلط الوثائقي الضوء على شخصية نتنياهو، كما يكشف لقطات تعرض للمرة الأولى تتناول ملفات تحقيقات الشرطة مع نتنياهو وابنه يائير وزوجته سارة بين عامي 2016 و 2018، والتي تم تسريبها العام الماضي وجمعها كجزء من التحقيقات ضده بتهم الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة وما يعرف بـ "قضية الهدايا”. المدعي العام الإسرائيلي كان قد وجه في عام 2019 اتهامات فساد لنتنياهو، تشمل الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، وذلك في القضايا المعروفة باسم 1000 و2000 و4000. "الملف 1000” الذي اتهم فيه بالاحتيال وخيانة الأمانة، جراء تلقيه هدايا فاخرة من السيغار والشمبانيا والمجوهرات بقيمة 700 ألف شيكل (180 ألف يورو) بين الأعوام 2007 و2016 من أثرياء، مقابل خدمات مالية أو شخصية، بمن فيهم صديقه المنتج الإسرائيلي في هوليود أرنون ميلتشين. اما ” الملف 2000″ فهو قضية صحيفة "يديعوت أحرونوت” التي حاول نتنياهو شراء موقفها، عبر الحصول على تغطية إيجابية ومنحازة لأدائه السياسي مقابل إصدار تشريع يضيق الخناق على صحيفة "إسرائيل اليوم” المجانية والأوسع انتشارا. وتفاقمت الأمور بوجه نتنياهو إثر انكشاف القضية الثالثة "الملف 3000 ” وهي قضية شراء الغواصات الألمانية وفيها شبهات بتلقيه رشوة، والقضية ” الملف 4000″ المرتبطة بشركة الاتصالات الأرضية "بيزك” والموقع الإخباري الأهم في إسرائيل "واللا”، وتتضمن تهما بالاحتيال وغسيل الأموال. وأخيرا طالبت المستشارة القضائية لحكومة الاحتلال غالي بهاراف ميارا، شرطة الاحتلال وجهاز الشاباك، إجراء تحقيق يتعلق بنتنياهو، حول القضايا الأمنية في مكتبه المتعلقة بتسريب وثائق سرية للغاية من خلال صحيفتين أجنبيتين وتزوير بروتوكولات لاجتماع الكابينيت السياسي – الأمني خلال الحرب. وقالت هيئة البث العبرية، إن ديوان نتنياهو ضالع في 4 قضايا خطيرة. وأخطر هذه القضايا هي قضية تسريب الوثائق السرية التي اعتقل إثرها 5 أشخاص بينهم مستشار في مكتبه وضابط كبير، وتتعلق القضية بسرقة معلومات من الجيش وتسريبها لوسائل إعلام أجنبية، بهدف التأثير على الرأي العام بشأن صفقة تبادل الأسرى. وتتعلق القضية الثانية بمحاولات تغيير بروتوكولات حول الحرب على غزة، للتأثير على أي تحقيق رسمي بشأن إخفاقات السابع من تشرن الأول/أكتوبر. أما القضية الثالثة فهي عن مساعي مسؤولين بمكتب نتنياهو لابتزاز ضابط رفيع بفيديو مخجل وقع بين أيديهم، مقابل الحصول على معلومات سرية إضافية. والقضية الرابعة تتعلق بشريط فيديو لوزير الدفاع السابق يوآف غالانت، يوثق منعه على يد الحراس من دخول ديوان نتنياهو بعد اندلاع الحرب بأيام. مضيفة أن مستشار نتنياهو، يوناتان أوريش، شارك الفيديو مع آخرين. نتنياهو الجالس على كرسيه منذ 15 عاما بشكل متواصل، باستثناء سنة واحدة. ما يعني أنه حتى لو جرت الانتخابات البرلمانية في موعدها، في خريف عام 2026، فإن هذه المحكمة ستكون ما تزال مستمرة. وصنفت مجلة فوربس نتنياهو، أغنى رابع سياسي في دولة الاحتلال لعام 2019. وتقدر بعض المصادر بأن ثروة نتنياهو تصل إلى 80 مليون دولار، بينما ترى مصادر أخرى أنها تصل إلى 50 مليون شيكل (14 مليون دولار) وفقا لصحيفتي "تايمز أوف إسرائيل” و”هآرتس”. ويملك نتنياهو عقارات (مسروقة من مالكيها الفلسطينيين) في القدس وقيسارية، ويقال إنه يملك عقارات أخرى في كاليفورنيا ونيويورك. والغريب أنه رغم على الرغم من ثقل هذه القضايا، إلا أنها لم تؤثر على نتنياهو في أي من الجولات الانتخابية البرلمانية الخمس الأخيرة. نتنياهو يعرف تماما بأن أية نتائج لأية لجنة تحقيق حول الفشل الذريع لجميع المنظومة العسكرية والأمنية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وإخفاقه في تحقيق وعوده بشان الحرب على قطاع غزة وجرائمه وحرب الإبادة في غزة لن تدخله السجن، وهناك احتمالية أن يفقد منصبه بناء على نتائج هذه التحقيقات التي ستمتد لسنوات لكنها احتمالية ضعيفة نظرا لتوجه غالبية الناخبين الإسرائيليين نحو اليمين المتطرف وبالتالي عودة نتنياهو لرئاسة الحكومة من جديد. وهو يعرف أيضا بأن إدانته بتهم الفساد تعني سجنه وهو ما يؤرقه، فالفساد سيلطخ تاريخه الملطخ أصلا، لكن دماء العرب ليست سوى "أضرار جانبية” من أجل تحقيق "أمن إسرائيل”. في دولة الاحتلال والغرب لا يسجن أي سياسي بناء على قرارات اتخذها أثناء عمله الرسمي لأنها جزء من سياساته وسياسات إدارته بشكل علني ومعروف خدمة لناخبيه وللدولة، لكن أي مؤشرات على الفساد المالي والأخلاقي تفتح العيون عليه وتبدأ سهام الخصوم والإعلام في نهشه. انظروا إلى ما فعله جورج بوش الابن الذي دمر العراق وأفغانستان، لم يحاسبه أحد رغم أن الجميع مقتنع بأن تبريراته لشن الحرب على العراق وامتلاكه أسلحة دمار شامل كانت كذبة كبرى كذبتها إدارته. نتنياهو يعرف كل ذلك، والصهاينة لن يسألوه عن جرائمه في قطاع غزة لأن جرائم "مبررة” بالنسبة لهم وهي "للحفاظ على منهم ووجودهم” كما يزعمون دائما، لكنهم سيسألونه عن فساده. وهذا ليس مجرد قلق نظري بالنسبة لنتنياهو، فهناك أمثلة سابقة فقد سجن رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت في عام 2016 بتهمة الفساد. وأدين الرئيس السابق موشيه كاتساف بتهمة الاغتصاب في عام 2011 وقضى 5 سنوات في السجن. وبالنسبة لنتنياهو، فإن استمرار الحرب هو المقامرة الوحيدة الممكنة، وهذا السبب في أن الضغوط عليه من جميع الجهات لا تحدث تأثيرا. لقد شكل الإعلام لعبة نتنياهو وفي نفس الوقت مصدر قلقه فهو نجح بالإعلام في تسويق نفسه باعتباره أكبر المدافعين عن "أمن” الكيان بوجه ما أسماه "التهديدات الوجودية”، كما نجح أيضا من خلال الإعلام، في إيهام الإسرائيليين بأنه بغيابه عن الحكم، لن يكون هناك من يحفظ "أمن الدولة” ومصالحها مثله لذلك يتخوف من تفاقم الأمور وتحول الإعلام ضده. يسعى نتنياهو طوال السنوات الأخيرة إلى دحر وحتى دفن محاكمته في قضايا الفساد، المستمرة منذ سبع سنوات ونصف السنة، أي منذ بدء التحقيقات فيها، مرورا بتوجيه لوائح اتهام ومحاكمته الجارية فعليا منذ 3 سنوات وخمسة أشهر تقريبا. بذريعة أن المتهم هو رئيس حكومة ويدير حربا، ولا يمكن أن يتفرغ لجلسات محاكمة ستأخذ الكثير من الوقت، يضاف لها أنه قبل مثوله أمام المحكمة لاستجواب النيابة والدفاع، سيحتاج إلى جلسات تحضير معه، وهذه أيضا ستأخذ وقتا. محاكمة نتنياهو بقيت تقريبا بعيدة عن الأضواء الإعلامية، بسبب أخبار وأجواء الحرب على الشعب الفلسطيني، ويدل هذا البرود الإعلامي حول هذه المحاكمة، على أنها لم تتقدم نحو خط النهاية، الذي ما زال بعيدا جدا، وربما تبقى عالقة لسنوات أخرى.