العهود المشروطة التي قطعها رئيس الوزراء معروف البخيت على نفسه بالاستقالة في حال تمت إدانته بملف الكازينو وجب تنفيذها، بعد أن أدان تقرير النواب الرئيس وحكومته السابقة في هذا الموضوع الذي شغل الأردنيين.
نتائج التحقيق النيابية واضحة وجلية ولا لبس فيها؛ إذ كشفت أن الرئيس يتحمل المسؤولية الأخلاقية والمهنية والإدارية حيال هذه القضية بحكم الموقع الذي شغله كونه المسؤول الأول والأخير عن تمرير مثل هذا الاتفاق المجحف بحق الأردن وسمعته.
وليس الرئيس وحده مدانا بل جميع أعضاء حكومته، سواء ممن وافقوا وسعوا للمضي في الاتفاق، أو حتى أولئك الذين رفضوها رفضا قاطعا وترافعوا ضدها، حيث تنصل هؤلاء من المسؤوليات التي يفرضها الموقع الرسمي بالإعلان للرأي العام عما يحدث في كواليس الحكومة من آثام وخطايا.
وندرك جميعا أن مراكز القوى في تلك الفترة وطريقة عملها كرست إيمانا وعقيدة مطلقين، فحواهما أن "مسؤولا" ما بعينه قادر على صنع التاريخ أو نسفه، ما جعل الجميع يضحون بكل شيء لإرضاء تلك المراكز، واقتصرت ردود الفعل لدى بعضهم على الرفض فقط من دون بذل أي مجهود لوقف الاتفاق أو فضه قبل وقوع "الفأس في الرأس".
ما يقلقني اليوم ليس فقط تطورات ملف الكازينو، بل المشهد العام في البلد الذي يكشف قليلا من التأمل فيه أن التعامل مع مستقبل البلد كله أصبح تماما كمن يدخل "كازينو" ليلعب ويراهن فيه على مصالحه ومقدراته ومؤسساته.
والحكومات والسلطات التشريعية المتعاقبة كلها تتحمل مسؤولية الأوضاع السيئة التي نحياها اليوم، إذ وللأسف لم نشهد مسؤولا واحدا ضحى بالكرسي الوثير من اجل إصلاح الخطأ وإحقاق الحق الذي ضاع وانتهك على مدى سنوات طويلة.
وضمن لعبة الكازينو الكبرى صرنا نجد مسؤولينا وعلى مدى سنوات طويلة لا ينشغلون بالعهود التي قطعوها على أنفسهم بخدمة الناس والمجتمع، ولا يلتزمون بالأيمان الغليظة التي حلفوها حينما حملوا الأمانة ووعدوا بحماية مصالح الناس.
لنجد غالبيتهم يلعبون الدور ذاته، من تواطؤ وتلاعب بمصائر الناس ومقدرات البلد، على قاعدة "أنا ومن بعدي الطوفان"؛ إذ سعى هؤلاء إلى جمع الثروات والظفر بالمناصب ليملأوا جيوبهم بأموال الناس ويغتصبوا حقهم في العيش الكريم.
ليست الكازينو وحدها هي المشكلة، فكل ما لدينا اليوم من مشاكل يؤكد أن البلد خضعت لرهانات البعض الذين خسروها من أجل كسب قليل ليس من حقهم، وسيأتي يوم يحاسبون فيه على كل ما أهدروا وضيعوا ونهبوا من حقوق الناس.
لو اقتصر الأمر على الكازينو لاستطاع الناس أن يغفروا، لكن المشكلة أن لدينا في الأردن ألف كازينو، وألف ملف فساد، منها ما نعلم عنه، والله وحده اعلم بما تخفيه دهاليز الدوار الرابع.
المشكلة ليست في البخيت ورفاقه، ففي كل الحكومات السابقة ملفات شبيهة بالكازينو، ومنها سكن كريم لعيش كريم، وموارد، امانة عمان، والعقبة وشاهين وقضايا كثيرة يصغر حجمها أو يكبر تبعا لحجم المسؤول، بعد أن أصبح الرهان على مصالح الناس هو القاعدة، والحفاظ عليها هو الاستثناء.
المغامرة بمستقبل البلد والتضحية بأموال محاربة الفقر وإحداث التنمية الحقيقية وحقوق الأجيال المقبلة وتنمية المجتمع، لن تمر من دون حساب، وحالة اليقظة التي يمر بها المجتمع كفيلة بمحاسبة أولئك الذين ظنوا أن الأردن كازينو متاح لهم اللعب فيه وبمقدراته.
هل يظنون الأردن "كازينو"؟
أخبار البلد -