تحدث دولة الدكتور عبد الرؤوف الروابده في اللقاء الحواري الذي نظمه مركز زمزم للدراسات عن مستقبل الشرق الأوسط ومعالم التسوية القادمة، وكان حديثه عميقاً ومهماً من رجل مارس السلطة والسياسة بعقلية منفتحة وذهن واعٍ وواقعية تمتزج بالروح الوطنية، وربما ترك في حديثه مساحات واسعة للسامع من أجل الاجتهاد والتحليل وصناعة الفهم المشترك.
ابتدأ الدكتور الروابدة من الحديث عن الاستراتيجيات والعموميات ثم النزول إلى بعض التفاصيل من خلال هذه الرؤية الشاملة والواسعة وأعتقد أن هذا هو الأسلوب الأكثر صحة وأقرب إلى الدقة من الاستغراق بالتفاصيل والبقاء في حيز القاع دون القدرة على امتلاك ربط الخيوط ووصل المتقاطعات، حيث يرى أن أمريكا والدول الغربية هي التي تمتلك الأثر الأكبر في صياغة المنطقة والسيطرة على اتجاهات مستقبلها حيث ترى أن الشرق الأوسط يمثل مصلحة حيوية لها لا يمكن التفريط بها أو التهاون في رعايتها، ولذلك فهي حريصة على جعل المنطقة مهيئة لرعاية مصالحها من خلال العمل على الحيلولة دون نشوء قوة واحدة مسيطرة لأي طرف أصيل فيها وهذا يقتضي ما يلي:
أ- تفتيت المنطقة وتغذية عوامل الفرقة والانقسام فيها، وإيجاد بذور النزاع الدائم الذي لا ينتهي على أسس دينية أو مذهبية أو عرقية.
ب- إضعاف النظام العربي، وعدم إفساح المجال أمام تشكيل قوة عربية منظمة قادرة على المنافسة في حلبة الصراع الدولي.
جـ- الاستيلاء على ثروات المنطقة ومقدراتها، خاصة أنها تملك مخزوناً نفطياً كبيراً، واحتياطاً كبيراً من الغاز الذي ما زال يشكل مصلحة غربية وعالمية، وعنصراً مهماً من عناصر القوة.
وبناءً على هذه الركائز تم تقسيم العالم العربي إلى قسمين كبيرين، قسم يسمى الشرق الأوسط، وقسم يطلق عليه شمال افريقيا، ومنطقة الشرق الأوسط ينبغي أن لا تكون مقتصرة على عرق واحد ودين واحد وتوجه فكري حتى يسهل صهر المنطقة في كيان سياسي واحد، ولذلك تم ادخال تركيا وايران إلى منطقة الشرق الأوسط، وتم صناعة كيان يهودي جديد في المنطقة، من أجل إيجاد تجمعات دينية متعددة، إسلامية ومسيحية ويهودية، وإيجاد أعراق مختلفة: عرب وأتراك وفرس وأكراد وتركمان و..، وإيجاد تنافس عميق على السلطة وعلى الموارد وعلى ساحات النفوذ، ويجري على تغذية هذه النزاعات ومدها بعناصر البقاء والديمومة.
ما زال العمل جارياً على استكمال الوجود «الاسرائيلي» في المنطقة والعمل على دمجها في المحيط، وإيجاد المعادلات السياسية الجديدة في شكل الصراع وصناعة الأعداء الجدد من أجل إيجاد خرائط جديدة في التحالفات والتشكلات السياسية، وهنا يمكن تفسير صناعة «داعش» ضمن هذا المخطط الدولي الإقليمي، ويمكن تفسير آخر ما يجري من تطورات سياسية على صعيد أزمة الخليج والتعامل مع إيران والتطرف الذي أصبح يطلق على التطرف الإسلامي على وجه التحديد ضمن هذه الرؤية وضمن هذه الاستراتيجية.
يجري الآن التفكير في صيغة الحل للقضية الفلسطينية ضمن هذه الرؤية العامة ولذلك هناك حوارات تجري لنحت صيغة جديدة ليست فيدرالية ولا كونفدرالية، ولا تؤثر على مستقبل الكيان «الإسرائيلي» وتحقيق الخصوصية والهوية الفلسطينية، وتشكيل علاقة ثلاثية بين فلسطين والأردن واسرائيل قابلة للحياة والبقاء، وهناك طروحات ما زالت قيد الانضاج وربما هناك بعض التسريبات التي تحاول جس النبض أحياناً، ومن أجل رصد ردات الفعل الشعبية والرسمية، وأيضاً من أجل إجراء حوارات موّسعة تسهل عمليات القبول الشعبي وتقلل مساحات الخلاف ضمن دائرة الضعف والتبعية والرضا بالأمر الواقع.