اهتز بدن المسؤولين الأردنيين بكل مفاصله بعد توقيع المصالحة بين حركتي فتح وحماس، رئيس الوزراء ألقى محاضرة ذكرتني باجواء ما قبل ايلول 1970 – وزير الخارجية تحجج باصابته الطفيفة عن المشاركة بالحضور الى مكان حفل التوقيع ومباركته، تم الاتصال بعدد من كتبة الحكومة لتصوير المصالحة على أنها مؤامرة على الأردن الرسمي، وجهت دعوات لجماعتنا في فلسطين للحضور الى عمان، ولم يصدر تصريح رسمي واحد يبارك المصالحة الا ما اصدره مجلس النواب، الزيارة الخاطفة التي قام بها محمود عباس الى العاصمة الاردنية قوبلت بتجاهل تام من السياسيين الحكوميين ومن الاعلام الحكومي، ويمكن القول ان نظرة الحكومة الى المصالحة صورت الامر وكأنه صلح فلسطيني- صهيوني وكأننا لم نسبق الاشقاء الفلسطينيين الى عقد معاهدة عربة التي اعطت للعدو كل شيء ولم تدفع هذا العدو الى التوقف عن انتهاك سيادتنا المرة بعد المرة وباشكال مختلفة.
صحيح ان السلطة- وهي جماعتنا- وحماس التي نناصبها العداء لم تشاورنا ولم تطلعنا على الامر، والامر ليس مستغربا فقد سبق لهذه السلطة ان وقعت اتفاقيات اوسلو وكأننا لسنا هنا، ومع هذا واصلنا استقبال قيادات السلطة على حدودنا البرية ونقلهم بسيارات مضادة للرصاص وبحرس مميز، كما واصلنا اقامة الولائم لهم او حضور الولائم التي كانوا يقيمونها لسياسيينا، كما طردنا قادة حماس وهم مواطنون أردنيون بأرقام وطنية، واتهمناهم بعشرات التهم الظالمة، ووجهنا نحوهم حملات سياسية ودعائية مضادة، لكن هذا كله لم يدفع السلطة الى اطلاعنا على ما كان يجري باعتبارنا لا نستحق هذا الاطلاع او انه ليس ضروريا.
أعرف مثل الكثيرين ان هذه المصالحة لم تتحقق ولن تتحقق فهي مصالحة لا تحظى بموافقة الولايات المتحدة والعدو الصهيوني ودول الغرب، واعرف ان من الصعب وضع نار حماس وماء فتح على سطح واحد، وان المسألة برمتها شكل من اشكال التآمر من السلطة على المقاومة، لكنني اعرف ان هذه الحيلة الجديدة لن تنطلي على حركة حماس، وان هذه الحيلة استمرار لنهج السلطة نحو الاردن كما جاء في وثائقها التي كشفت اسرارها قناة الجزيرة واكدت حرص السلطة على ابقاء الاردن خارج تحرك السلطة حتى بالتشاور فكيف بالاطلاع.
ردة فعلنا على المصالحة الفلسطينية- الفلسطينية اتسمت بالعشائرية السياسية، وعكست حقيقة ان بلدنا غايب طوشة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية التي هي – وكما هو واقع ومفترض- قضية وطنية، غير ان سقوطنا في حيلة المصالحة وخديعة توقيع الاتفاق كان يجب الا تدفعنا الى كل هذا التشنج الذي يؤكد اننا ما زلنا نخلط بين حماسنا لعلاقات طيبة مع السلطة وعلاقات سيئة ومعادية مع حماس.
لماذا لا يعترف مسؤول اردني واحد بأننا خدعنا كثيرا، وان ما كانت تفعله السلطة وما تزال تفعله هو اطلاعنا على العناوين التي تجيء الينا عبر وكالات الانباء، ولماذا لا يعترف مسؤول أردني واحد بأننا ضحية خداع امريكي- اوروبي- صهيوني وليس فلسطينيا فحسب، الامر المؤكد ان مصر بعد ثورتها المجيدة الاخيرة كبرت قوميا الف مرة، لكن ما هو اكثر تأكيدا اننا بالنسبة للاشقاء الفلسطينيين في الضفة وغزة واراضي 1948 اكثر اهمية من كل الاخرين، واننا ازاء القضية الفلسطينية يصعب على احدنا – نحن او هم- ان نفصل بين وطنية القضية وقوميتها، اذا فعلنا هذا بالممارسات الصحيحة وليس الخاطئة بالوضوع التام وليس بالضبابية فستظل قضية الفلسطينيين قضيتنا نحن جميعا على هذه الساحة وعلى امتداد الساحة الفلسطينية وبغير هذا سنكون الزوج الذي آخر من يعلم بل ولا يعلم ابدا.