أخبار البلد - فتحي كليب
نشرت جريدة «السفير» في عددها بتاريخ 2016-03-31 مقالة بعنوان «أين تركت المعارضة الفلسطينية بصمتها؟» للزميلة منى سكرية ناقشت فيها مواقف «الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين» وسياساتها. ونظراً للكثير من المغالطات التي تضمنتها تلك المقالة وجب توضيح النقاط التالية:
1 - الكتاب الذي تتحدث عنه الزميلة سكرية هو عبارة عن أطروحة تقدّم بها الأكاديمي المصري أسامة أحمد مجاهد إلى جامعة القاهرة لنيل درجة الماجيستير في العلوم السياسية، حملت عنوان «المعارضة الفلسطينية وقضية التسوية مع إسرائيل/ دراسة في بعض نصوص الخطاب السياسي 1993 إلى 1996». واعتمد الباحث في تقييمه خطاب المعارضة الفلسطينية «الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين» كنموذج. وبموجب هذه الاطروحة حصل هذا الاكاديمي على درجة علمية عالية «امتياز»، مع تنويه خاص من اللجنة المشرفة، بأن هذه الاطروحة ترتقي إلى مستوى متقدم لما فيها من حرفية أكاديمية، وسعة في المعلومات التي قدّمتها.
2- قدّمت الزميلة سكرية مجموعة من الافتراضات والأسئلة وتعاطت معها على انها ثوابت وبنت عليها استنتاجات لتصل الى نتيجة محددة سلفاً. فهي طرحت مثلاً عدة اسئلة عن المعارضة ودورها، متخيلة نفسها في فلسطين متحررة من الاحتلال وفي دولة مستقلة تنعم بنظام سياسي ديمقراطي قائم على التعددية الحزبية.. وهي اسئلة ان صحت في مرحلة تاريخية ما قبل العام 1982 فهي لا تصلح لواقع فلسطيني نراه من بعيد دون أن ندخل في تفاصيله وفي حركته اليومية.
من حق الزميلة سكرية أن لا تتوافق مع الخط السياسي لـ «الجبهة الديموقراطية»، لكن ليس من حقها إبداء رأيها بطريقة ساخرة وان تضع التصنيفات والمعايير لمن هو معارض ومَن هو غير ذلك. قد لا نتفق بالأساس على تصنيف الفصائل الفلسطينية بين معارض وموالٍ. لأن طبيعة الحالة السياسية الفلسطينية مختلفة عن كل صيغ العمل السياسي في دول وأنظمة سياسية مستقرة.
ليس دقيقاً الحديث عن «معارضة فلسطينية»، لأن ذلك يجرنا مباشرة الى نظرية تداول السلطة بين هذا الحزب وذاك. فهل هذا هو حال واقعنا الفلسطيني الآن؟ ووفقاً للمعايير التي وضعتها سكرية مَن مِنَ الفصائل الفلسطينية يمكن تصنيفها كمعارضة؟ فكيف يمكن الحديث عن سلطة ومعارضة في غياب قوانين تنظم العلاقة بين مكوّنات الشعب الفلسطيني بل في غياب دستور يحدد العلاقة بين السلطة ومواطنيها وبين مؤسسات هذه السلطة. بل كيف يمكن أن نتحدّث عن معارضة وموالاة في ظل غياب قانون للأحزاب؟ كلها أسئلة تشير الى ان الواقع السياسي الفلسطيني الراهن هو ليس ذلك الواقع الذي عرفته وعايشته سكرية في فترات زمنية سابقة..
تشكّ سكرية بـ «طهارة مسار الجبهة الديموقراطية»، وتتساءل: لماذا تتمثل الجبهة بأعضاء منها في السلطة الوطنية الفلسطينية حالياً في الضفة الغربية؟ (أي سلطة إتفاقية أوسلو)! (قيس عبد الكريم السامرائي وتيسير خالد)؟ وهي تقصد عضوية المجلس التشريعي واللجنة التنفيذية. أي وفق تصنيفها، ان عضوية المجلس التشريعي (قيس السامرائي) تسقط عن الجبهة صفتها كمعارضة.. وبالتالي وفق المنطق نفسه هل تعتبر حركة «حماس» او«الجبهة الشعبية» او «حزب الشعب» و«المبادرة الوطنية» ومستقلين كثراً معارضة على خلفية مشاركتهم بالمجلس التشريعي؟ او على الاقل هل تعرف أنهم مشاركون أصلاً بهذا المجلس؟ وللتوضيح فقط فإن تيسير خالد هو عضو في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وليس السلطة، وهذا الخلط بحد ذاته له أكثر من تفسير، الا اذا اعتبرت ايضاً أن عضوية اللجنة التنفيذية تسقط عن أي فصيل صفته كمعارضة، وبالتالي علينا البحث عن دول وانظمة سياسية تقبل حالتنا الفلسطينية، كما هي اليوم.
إن تقييم المعارضة الفلسطينية وأداءها لا يمكن أن يتم وفق تلك المعايير والتصنيفات. فالمعارضة ليست أمراً طارئاً على العمل السياسي الفلسطيني، بل ان عمرها من عمر النضال الفلسطيني التي تقننت وضعيته مع تأسيس «منظمة التحرير الفلسطينية» بالصيغة المعروفة التي تشكلت بها، حيث اختلفت الكثير من الفصائل مع «حركة فتح» باعتبارها «حزب سلطة»، لكن ظل الثابت في سياسة الجبهة الديمقراطية هو أولوية الوحدة الوطنية، كشرط أساس لا بد منه ولا غنى عنه لإنجاز الحقوق الوطنية.
ان هناك من لا يزال مصراً على ان الوحدة الوطنية لا تحتمل الا احد برنامجين: اما برنامج المقاومة واما برنامج المفاوضات وعلى هذا الاساس يكون التصنيف.. ونحن نرى أننا لسنا مطالبين بالانحياز حكماً الى واحد من هذين الخيارين.. فهناك الخيار الذي يعتمده شعبنا حالياً: مقاومة عسكرية في غزة تدافع عن التراب الوطني من اي اعتداء وانتفاضة شعبية في الضفة تعتمد جميع الأشكال النضالية بما فيها انتفاضة الشباب. وقد اكدت التجارب السابقة اننا قادرون على الوصول لبرامج وطنية تعكس القواسم الوطنية المشتركة..
3 - إن المشكلة الحقيقية التي تعاني منها الحالة الفلسطينية اليوم لا تعود إلى عدم قدرة المعارضة على منع المزيد من تدهور الوضع الفلسطيني في مرحلتي ما قبل وما بعد أوسلو؟ بل إن المشكلة هي في الصراع على مغانم السلطة وليس السلطة التي تعتبر جميع مفاتيحها بيد الاحتلال. وإذا كان البعض يعتبر ان هذا أمرٌ طبيعيٌ ويحصل في جميع دول العالم، فبالنسبة الينا سنبقى نعتبره اتهاماً، خاصة في حالتنا الفلسطينية، حيث الصراع هو على سلطة مقيدة الصلاحيات على جزء من الأرض وعلى جزء من الشعب، بينما الصراع على السلطة يكون مشروعاً في دول مستقرة وانظمة سياسية مكتملة، وبالتالي فإن ما يجب ان يحكمنا كفلسطينيين هو ليس قوانين الأكثرية والاقلية، بل قوانين حركات التحرر الوطني القائمة على التوافقات وعلى القواسم المشتركة وعلى الشراكة في كل ما له علاقة بقضايا مصيرية تطال الكل الفلسطيني..
هكذا نفهم المعارضة على أنها ليست شعاراً نرفعه بل هي موقف وممارسة وبرنامج عمل سياسي واقتصادي واجتماعي.. اما اذا كانت الكاتبة تنظر الى «الجبهة الديموقراطية» على أنها الفصيل الوحيد المعارض والذي تقع عليه وحده مسؤولية ما آلت اليه الأوضاع الفلسطينية، فهذا كلام لا نعتقد أنها تقصده. اما اذا كانت تنظر الى المعارضة على انها طيف سياسي واسع يتوزّع على حركات وفصائل يسارية ووطنية وقومية وإسلامية ومستقلين، فالنقاش حينها يأخذ شكلاً مختلفاً..
4 - تقول الزميلة سكرية «إن معارضة حواتمة وجبهته لـ «اتفاقية اوسلو» لم تكن إلا لاستبعادها عن محادثاتها الدائرة سراً». ويبدو ان بين أيديها وثائق تؤكد ذلك او ان الرئيس الراحل ياسر عرفات او مقرّبين منه أخبروها بهذه المعلومة.. وكي نطمئن الزميلة سكرية على «طهارة المسار السياسي» لـ «الجبهة الديموقراطية» نقول لها: إن بين ايدينا كـ «جبهة ديموقراطية» عشرات الوثائق التي تؤكد رفض الدعوات التي وجهت الى الجبهة للمشاركة في مفاوضات اوسلو، رغم عديد المغريات التي قدمت للتغطية على مسار اوسلو البائس، بل ان «الجبهة الديموقراطية» كانت من أكثر الفصائل الفلسطينية التي ناقشت وحللت ودحضت كل ما كان المطبخ التفاوضي يقدمه لتبرير مشاركته في المفاوضات.. ويسجل لـ «الجبهة الديموقراطية» أن سياستها كتاب مفتوح تضعه بشكل دوري بين أيدي شعبها الفلسطيني وحركته الوطنية وبين أيدي الأصدقاء والحلفاء، ومنهم هذا الكتاب الذي نحن بصدد مناقشته..
كنا نتمنى على الزميلة سكرية ان تكون اكثر دقة في خبايا الواقع الفلسطيني الحالي وأن لا تعتمد فقط على مخزونها الفكري والسياسي القديم في نقدها لتجربة «المعارضة» الفلسطينية التي تختلف في ظروفها وخصائصها عن أي عمل سياسي آخر. لكننا رغم ذلك فنحن على يقين أن هدف المراجعة كان الوقوف على تجربة المعارضة واليسار الفلسطيني من خلال نموذج «الجبهة الديموقراطية» وتقييم تجربته الغنية التي تستحق أكثر من مراجعة.
المشكلة الحقيقية التي تعاني منها الحالة الفلسطينية هي الصراع على مغانم السلطة وليست السلطة التي تعتبر جميع مفاتيحها بيد الاحتلال، والمقيدة الصلاحيات