أخبار البلد - بسم الله الرحمن الرحيم
قد أنعم الله تبارك وتعالى عليّ أن خلقني فمنحني الحياة إذ أن هذا يعني أنه شاء لي أن أكون من الخالدين، وأنني بهذه الحياة قد حصلت على "فرمان الخلود" الذي لم أحصل عليه برغبتي أو بجهدي وإنما هو بإرادة الله عز وجل أمرا قد فرضه عليّ غير أني مسرورٌ به وأحبه واعتبره منحةً ربانية ونعمةً عظيمة.
ومع أن كل إنسان بجبلّته يتوق للخلود في الدنيا بحلوها ومرها وخيرها وشرها إلا أن الله عزّ وجل جعل هذا الأمر متعذرا في الدنيا لقوله "كل نفسٍ ذائقة الموت" ولكنه جعل هذا الخلود هناك في الدار الآخرة وجعله خلوداً إما في دار السعادة "الجنة" أو خلوداً في دار الشقاء "النار" فجعل الدنيا دار عمل وجعل الآخرة دار جزاء.
بعد حصولي على "فرمان الخلود" بمجرد مجيئي لهذه الحياة بإرادة الله أصير أنا الإنسان مرشحاً إما للخلود في دار السعادة الأبدية أو مرشحاُ للخلود في دار الشقاء الأبدي.
إما المرشحون للخلود في دار السعادة الأبدية فهم المؤمنون بالله الواحد الأحد لا يشركون به شيئا والمطيعون له سبحانه والمتبعون لسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى"ومن يبتغِ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه"، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم "كل الناس يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل ومن يأبى يا رسول الله ؟ قال : من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى".
وقد جعل الله تبارك وتعالى على الناس ملائكة كراما كاتبين، فأقوالنا وأعمالنا مسجلة بالصوت والصورة ومحفوظة عنده في كتاب، قال تعالى "ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها".
وهناك في القبر عند السؤال أو في المحشر عند الميزان لا يوجد واسطة أو وساطة لا لقريب أو نسيب ولا لملك أو وزير إنما هي أعمالنا أحصاها فيوفيها إلينا فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه.
وقد حذّرنا الله تبارك وتعالى وأنذرنا بعد أن أنعم علينا نعما كثيرة لينظر كيف نعمل ، قال تعالى " من جاء بالحسنة فله بخير منها وهم من فزع يومئذ آمنون ومن جاء بالسيئة فكُبّت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون".
وقد أمرنا الله عز وجل بأعمال ونهانا عن أعمال في الكتاب والسنة ومن الأعمال التي أمرنا بها المشي على الأرض ولكن ليس كل المشي وإنما هو مشي محدد مبين، قال تعالى"وعباد الرحمن الذي يمشون على الأرض هونا"، أي أننا مأمورون بالمشي على الأرض هونا .. فهل عرفنا كيف هو المشي هونا؟، ورد في التفسير أن الذين يمشون على الأرض هونا هم أفاضل الناس يمشون بسكينة ووقار وتؤدة متواضعين من غير ضعف ولا ذلة ولا تصنّع ولا رياء ولا خيلاء ولا تكبر ولا عجلة وهذا كله من باب التوصيف للمشي هونا، غير أن هناك أمرا ونهيا في باب المشي هذا، أما الأمر فقوله تعالى"واقصد في مشيك" ويعني التواضع والتؤدة وعكسها الخيلاء والعجلة، أما النهي فقوله تعالى"ولا تمشِ في الأرض مرحا" أي بالخيلاء والإستكبار والتعالي على الناس، ذلك لأن المشيةَ فيها تعبير عن الشخصية وعما يسكن فيها من مشاعر، فالنفس السوية المطمئنة تخلع صفاتها هذه على مشية صاحبها.
إزاء ذلك يقول المرشحون للخلود في دار السعادة الأبدية سمعنا وأطعنا ويا رب إهدنا ووفقنا لطاعتك وطاعة رسولك وأعنّا على ذلك.
سبحانك ربي .. تحاسبنا على مشيتنا .. فكيف بمن يأتيك غداً كافراً أو مشركا أو منافقا؟! وكيف بمن يأتيك وقد والى أعداء الله ونسّق معهم ضد المسلمين ويتآمر على فلسطين والمسجد الأقصى؟! وكيف بمن يأتيك وقد رخّص للخمر والربا والكباريهات والكازينوهات والبدع؟! وكيف بمن يأتيك وقد نهب الثروات وباع الشركات وعذّب الأحرار في المعتقلات وسفك دماء المسلمين والمسلمات؟! وكيف بمن يأتيك وقد فرض على الناس"خازوق" إنتخاب جديد وزوّر الانتخابات وعين النواب تعييناً وصرّح بذلك على الملأ؟!.
وكيف بمن يأتيك وقد أذلّ كرام الناس ورفع أخسّ الناس وأفقر الشعب وجعله يكدح ليلا نهاراً يدفع الضرائب تلو الضرائب لينفق على رفاهية المسؤولين ورفاهية زوجاتهم وأولادهم؟! ثم بعد ذلك يمشي في الأرض مرحا.