بعد أن عجزت وكالة "الأونروا" منذ تأسيسها في الثامن من كانون الأول/ديسمبر 1949 عن أداء المهمة التي أوكلتها إياها الجمعية العامة للأمم المتحدة وفقاً لتوصيات بعثة "غوردن كلاب" للمسح الإقتصادي في منطقة الشرق الأوسط بتشكيل صندوق خاص بالأونروا لدمج اللاجئين الفلسطينيين في مناطق اللجوء ميزانيته 49 مليون دولار لإقامة مشاريع تنموية في فترة لا تتعدى 18 شهر، على أن ينتهي عمل الوكالة بعد ثلاث سنوات، ومع عدم نفاذية قرار الجمعية العامة رقم 393 - حتى الآن - لتاريخ 12/12/1950، الذي دعا "الأونروا" إلى "دمج اللاجئين الفلسطينيين في إقتصاديات المنطقة بجانب تقديم الخدمات الإغاثية لهم بالتنسيق مع الدول المضيفة"..، تستعد وكالة "الأونروا" وبدعم من اللجنة الإستشارية والدول المانحة للإنتقال إلى منهجية جديدة تأخذ بعين الإعتبار الإنسحاب التدريجي من توفير الخدمات للاجئين، على أن تقوم منظمات غير حكومية بتوفير تلك الخدمات وبدعم من منظمات تابعة للأمم المتحدة تعمل على توفير كافة الأموال اللازمة من الدول المانحة..!
الخطير في الموضوع مسألتين، الأولى بأنه في حين إنتقال أيٍّ من برامج أو خدمات "الأونروا" لأي من المنظمات غير الحكومية، فإن مدة تنفيذ تلك البرامج تكون عادة مرتبطة بفترة زمنية محدودة يتوقف عندها التمويل، وعلى المستهدف أن يبحث عن بديل أو سيتم إيقاف البرنامج بالكامل، وهذا حتماً سيكون له تداعيات على المستوى الإنساني والمزيد من المعاناة الإقتصادية والإجتماعية والنفسية للاجئين.. المسألة الثانية وهي الأخطر تتعلق في الجانب السياسي، بأن هذا يتماشى مع ما يريده أعداء اللاجئين، بشطب وكالة "الأونروا" ودورها المرتبط بحق العودة الذي أكد عليه القرار 194 لتاريخ 1948..!
منذ أكثر من ستة عقود ونيِّف وتعمل الجمعية العامة بالضغط على الوكالة الدولية لتنفيذ الرؤية الإستراتيجية من تأسيسها، ولهذا أنشات الجمعية العامة لجنة إستشارية للأونروا وفقا للبند الثامن من قرار تأسيس الوكالة رقم 302 مكونة حينها من خمسة دول، وصل عددها في الوقت الحالي إلى 25 دولة بالإضافة إلى ثلاثة أعضاء مراقبين (دولة فلسطين والإتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية)، فلم تكن وكالة "الأونروا" يوماً صاحبة قرار بذاتها، إنما من يرسم السياسات ويتخذ القرارات الإستراتيجية هي اللجنة الإستشارية بالإضافة للصلاحيات الإدارية الثنائية المعطاة من قبل الجمعية العامة للأمين العام للأمم المتحدة والمفوض العام للوكالة ونائبه، ولهذا لا عجب بأن يصرح بانكي مون في الدورة الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول 2015 من أن "بقاء وكالة الأونروا بعد 66 سنة يعتبر فشلاً سياسياً"، والذي يعنيه الأمين العام، فشل "الأونروا" بتوطين اللاجئين الفلسطينيين في مناطق عملياتها وفق القرارات الصادرة عن الجمعية العامة. تحولت "الأونروا" إلى منحة وشاهداً أممياً على جريمة النكبة واللجوء ترتبط إرتباطاً عضوياً بحق العودة، لهذا يُراد إجتثاثها بأي ثمن..!
لذلك المطلوب الحذر ثم الحذر من قبَل المنظمات غير الحكومية من قبول تمويل أي برنامج تعمل عليه "الأونروا" لا سيما في لبنان، لأن هذا سيؤدي إلى كارثة إنسانية وسياسية وسيشار الى تلك المنظمات بالتواطؤ مع المشروع الصهيوني وسيلفظها المجتمع المحلي، وبالمقابل الدفع باتجاه تطوير وتفعيل أي برنامج لا يندرج ضمن خدمات "الأونروا" ويتكامل معه ويعمل على تحسين الظروف الإقتصادية والإجتماعية للاجئين في المخيمات والتجمعات..!
في هذا الإطار، تقع مسؤولية كبيرة على عاتق الجهات الرسمية في الدول المضيفة بالإنتباه إلى هذا الكمين لانه سيكون بالتوازي مع تقديمات مجزية هي الأخرى لحكومات الدول، ومسؤولية أخرى لا تقل أهمية عن الدول، تقع على عاتق الفصائل الفلسطينية واللجان الشعبية والأهلية بالرقابة والمتابعة الحثيثة والدائمة لعمل المنظمات غير الحكومية والبرامج التي تنفذ وألا تتردد في تعرية أي منظمة تقع في المحظور..!