يقولون بأن الحب يعلم اللعثمة، وشدته تربك الحروف فتخرج متخابطة وغير مفهومة ، ربما ما يخرج ليس كلاما أو حديثا بقدر ما هي مشاعر متخابطة ومتلاطمة.
في السيكولوجيا يرون بأن الإنسان يكون قادرا على التعبير في الكتابة أكثر من التعبير في الكلام المباشر أو وجها لوجه.
لذا أتسمحون لي أن أكتب هذه المرة عن أبي منه وإليه ...
أريد أن أتحدث لكم عن أبي ... وإن كانت بلقيس أطول النخلات في تاريخ العراق .. فأبي ما زال السماء الصافية ووتدا قاسيا في صلب الرجولة ، وما زالت بسمته تختصر الكون بجماله ، ما زال مطاري أينما رحلت وعدت ما زال مطارا يعج بالحنين والشوق.
أريد أن أحكي لكم عنه وعن تلك الجيبة التي ما زالت تخبأ لي الأشياء الزاكية كلما عاد ... كل الدول تفقر وينتهي كل مخزونها إلا جيبة والدي ...
لا أدري أي شوق يجتاحني إليه مع أنني ما تعودت إلا أن أبدأ به صباحاتي في كل يوم ، لآخذ نصيبي من الرضا ونصيبي من الحب ونصيبي من علم الرجولة ، لا أدري أي كلام سينصفه وقد أنصفني على نفسه وعلى راحته وعلى عمره.
سأكتب عن عيونا ما عرفت الخوف يوما إلا علي ، وعلى كفوفا ما سقطت على خدي يوما إلا أسبقتها وألحقتها بحنان وحب ، خدر الوجع تارة وتارة محاه.
سأكتب عن المسار والطريق واكتب عن سكة قطار كلما جنح قطارها عدلته. وأكتب عن قلب يختلف عن كل القلوب ... قلبا ينبض بالحب والعطف والحنان والرضا.
أريد أن أكتب عنك يا والدي في هذا الصباح ولكني لا أستطيع ... ولا أدري ما المشكلة ... أهي ضغف في لغتي وقلة بمفرداتي ... أم أن السيكولوجية مخطئة ... أم أن هيبتك تلعثم الحروف كما تلعثمني ...
يابا ... الحمد لله أنني أبنك والحمد لله أنك أبوي ... والحمد لله اننا لم نشترك في وراثة الوطن والمسؤولية ولم يكن لنا حصة فيه ... الحمد لله اننا نتشابه في جلستنا الأرضية ونمارس التكويع ولم تهمنا الأرقام والحسابات يوما أو تنسينا الكراسي طوابير الواقفين على دروب الأمل والحلم والألم.
يابا ... ما زلت احفظ الدرس وكراستي من دروسك مفعمة وملآنة بالرضا والقناعة والصبر ، وما زلت في كل صباح ومساء أوجه وجهي صوب محرابك أبتهل لله أن يجعلني مثلك مشبعا بالكرامة.
يابا ... صباح الخير يايا ....
المحامي خلدون محمد الرواشدة.
Khaldon00f@yahoo.com