النتائج غير الرسمية التي أفرزتها صناديق الاقتراع في الانتخابات البرلمانية المبكرة التي أجريت يوم الأحد الماضي فاجأت الجميع، حيث حقق حزب العدالة والتنمية فوزا كاسحا من خلال حصوله على 49.5 بالمائة من أصوات الناخبين وأغلبية مريحة في البرلمان تمكنه من تشكيل الحكومة وحده.
استطلاعات الرأي التي نشرت قبل الانتخابات كانت تشير إلى ارتفاع في شعبية حزب العدالة والتنمية وحصوله على ما بين 42 بالمائة و44 بالمائة. وكان هناك استطلاع واحد فقط تشير نتائجه إلى حصول حزب العدالة والتنمية على 47 بالمائة. ولكن الأصوات التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية فاقت هذه النسبة وكل التوقعات. وبالتالي فإنه يمكن أن نقول إن شركات استطلاعات الرأي التي أخفقت في معرفة آراء الناخبين أول الخاسرين في هذه الانتخابات.
حزب الحركة القومية من أكبر الخاسرين في الانتخابات التي أجريت في الأول من الشهر الجاري. وكان الحزب يملك في البرلمان 80 مقعدا إلا أنه خسر نصفها في هذه الانتخابات، وتراجع عدد المقاعد التي يملكها إلى 40 مقعدا، ليأتي في المرتبة الرابعة في البرلمان بعد حزب الشعوب الديمقراطي الذي حصل على 59 مقعدا، وفقا للنتائج غير الرسمية.
رئيس حزب الحركة القومية دولت باهتشلي رفض بعد انتخابات السابع من حزيران/ يونيو الماضي التحالف مع حزب العدالة والتنمية لتشكيل الحكومة، وتهرب من تحمل المسؤولية، بل تبنى سياسة التهجم على رئيس الجمهورية الذي انتخبه الشعب التركي وطرد توغرول توركش من الحزب، ودفع ثمن مواقفه السلبية باهظا، لأن معظم المؤيدين لحزبه كانوا يريدون حكومة ائتلافية يشكلها حزب العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية، ولكن باهتشلي لم يستمع إلى ما يقوله المؤيدون لحزبه، وجعل انتقاد أردوغان شغله الشاغل، في الوقت الذي شعر فيه الناخبون المصوتون لحزب الحركة القومية بأن مستقبل تركيا في خطر.
باهتشلي جاءته فرصة لا تعوَّض لتولي منصب نائب رئيس الوزراء ومشاركة حزبه في الحكومة وصنع القرار، إلا أنه ضيَّع هذه الفرصة وخسر حزبه 40 مقعدا في البرلمان خلال خمسة أشهر. وهذه الخسارة المدوية لو مني بها أي حزب آخر يحترم زعيمه نفسه لقدَّم استقالته، إلا أن باهتشلي سيحاول أن يتجاوز هذه المرحلة من خلال التزام الصمت والاختفاء عن أعين وسائل الإعلام.
حزب الشعوب الديمقراطي الذي تمكن في هذه الانتخابات من تجاوز الحاجز الانتخابي بصعوبة بفضل أصوات الناخبين المهاجرين، تراجع عدد مقاعده في البرلمان من 80 مقعدا إلى 59 مقعدا. وكان الشعب التركي منحه فرصة ثمينة ليكون له حضور في جميع أنحاء تركيا، ويشارك في إنجاح عميلة السلام الداخلي وإنهاء الصراع الدموي الذي أنهك تركيا سنين طويلة، إلا أنه بدلا من أن يقوم بهذا الدور اختار أن يكون الممثل السياسي لحزب العمال الكردستاني والمدافع عن إرهابه، وضيَّع هو الآخر الفرصة التي وجدها في السابع من حزيران/ يونيو الماضي، وتراجعت شعبيته في هذه الانتخابات حتى في المحافظات ذات الأغلبية الكردية. ومن المؤكد أنها ستتراجع أكثر كلما شعر الناخبون في تلك المحافظات بالأمن والأمان وتمت حمايتهم من إرهاب حزب العمال الكردستاني وضغوطه.
جماعة كولن التي تخوض حربا ضد رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية، هي أيضا من أكبر الخاسرين في هذه الانتخابات، لأنها كانت تراهن على أن لا يحصل حزب العدالة والتنمية على أغلبية في البرلمان تكفيه لتشكيل الحكومة وحده، وبالتالي يضطر إلى للتحالف مع أحد الأحزاب الثلاثة الأخرى لتشكيل حكومة ائتلافية تمنح الجماعة فرصة لاسترجاع شيء من نفوذها. وبعد إعلان نتائج الانتخابات مساء الأحد الماضي خابت الآمال وبدأت للجماعة التي خسرت الرهان مرحلة أصعب من التي قبلها.
مجموعة دوغان الإعلامية شاركت بقوة في محاربة حزب العدالة والتنمية ودعمت حزب الشعوب الديمقراطي ورئيسه صلاح الدين دميرطاش من خلال وسائل إعلامها المتنوعة، ولم تضيِّع أي فرصة صغيرة كانت أو كبيرة إلا واستغلتها، بل ولجأت إلى التضليل والمغالطة لتشويه صورة حزب العدالة والتنمية، ولكنها فشلت في إقناع الناخبين بعدم التصويت لحزب العدالة والتنمية، ومع ظهور النتائج الأولية فإنها سرعان ما تراجعت عن اللغة التي كانت تستخدمها قبل الانتخابات ضد حزب العدالة والتنمية.
حزب السعادة الذي حصل في انتخابات السابع من حزيران/ يونيو الماضي على 2.06 بالمائة من أصوات الناخبين حصل في هذه الانتخابات على 0.68 بالمائة فقط. وكانت هناك فرصة للتحالف مع حزب العدالة والتنمية إلا أنه طلب حصة أكبر من حجمه بكثير، وضيَّع الفرصة، ويمكن اعتباره من ضمن الخاسرين.
هؤلاء أبرز الخاسرين في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر. وأما الفائز فهو تركيا التي خرجت من الأزمة وطوت صفحة الغموض السياسية والاقتصادية بفضل وعي شعبها لتركِّز اهتمامها بعد الآن على ملفات أكثر أهمية وتحديات تحيط بها من كل جانب.