يلمس محللون الإجراءات الرسمية الأخيرة بشأن إغلاق ساحة مسجد الكالوتي
في العاصمة، وبقرار ديوان تفسير القوانين، الذي أجاز توقيف الصحفيين والناشطين
السياسيين، بأنها مؤشرات على "بداية نهاية حرية التعبير في المملكة”.
فيما تنفي الحكومة ذلك، مؤكدة أن "الأردن مستمر باتخاذ الخطوات وتبني
السياسات التي تكفل حرية الرأي والتعبير، لكن ضمن الانصياع الكامل لدولة القانون”.
عموما، ثمة مشاهد حقوقية أخيرة تكشف عن مستقبل غير مريح للحريات في
المملكة، تمثلت بعودة توقيف صحفيين وناشطين سياسيين، مرورا بقرار ديوان تفسير
القوانين الذي سوغ توقيف صحفيي المواقع الإلكترونية والناشطين على مواقع التواصل
الاجتماعي، وأخيرا تسييج ساحة المسجد الكالوتي، الواقع مقابل السفارة الإسرائيلية،
بقرار حكومي، وهي الساحة التي طالما كانت منبرا للتعبير من قبل ناشطين وحزبيين عن
مواقفهم المضادة لمعاهدة وادي عربة.
وجاء إغلاق ساحة الكالوتي بعد نحو أربعة أعوام من حركة مشابهة عندما
تم تسييج ميدان جمال عبد الناصر (الداخلية)، ، وتلاها بفترة زمنية قريبة تسييج
الدوار الرابع أمام رئاسة الوزراء، والذي كان أيضا موضعا للحركات والاعتصامات
الاحتجاجية.
وفي مشهد قريب أيضا، بدأت معركة يخوضها صحفيون مؤخرا لمواجهة قرار
"تفسير القوانين” الذي ينص على أن "جرائم الذم والقدح المرتكبة أو المقترفة، يسري
عليها تطبيق المادة 11 من قانون الجرائم الإلكترونية والمادة 114 من قانون أصول
المحاكمات الجزائية، وليس المادتين 42 و45 من قانون المطبوعات والنشر”.
جميع تلك المؤشرات، بحسب حقوقيين ومحللين، "لا تبشر خيرا بحالة الحق
في حرية الرأي والتعبير”.
فبحسب المحلل السياسي والحقوقي الدكتور لبيب قمحاوي، فإن هذه المؤشرات
"تشي بأن الحقبة القادمة ستشهد مزيدا من التشدد على أي محاولة للخروج عن رؤية
الحكومة ونظرتها، بحيث يكون الأساس أن تكون الآراء والمواقف منسجمة مع مواقف ورؤية
الحكومة”.
ويضيف، أنه "يوجد تجاهل واضح من قبل الدولة للضمانات الدولية التي
تكفل حق حرية الرأي والتعبير”، معلقا على قرار تسييج ساحة الكالوتي بقوله "واضح
جدا أن هناك سياسة لتطويق أي مكان يتم فيه التعبير عن الرأي من خلاله”.
ويتابع "أستغرب من شكوى الحكومة من وجود جماعات إرهابية، فيما تمنع
جيل الشباب من التعبير السلمي عن آرائهم، الأمر الذي قد يضطرهم إلى اللجوء إلى طرق
أخرى لممارسة حقهم في التعبير عن آرائهم، والذي قد يؤدي إلى التطرف، لأن التطرف
سمة من سمات قمع التعبير عن الرأي”.
بدوره، يستنكر الخبير الحقوقي كمال المشرقي ما يسميه "تذرع” الدولة
بالجو العام الملتهب في المنطقة لـ”تقييد حق حرية الرأي والتعبير”، مبينا أن "ضمان
هذا الحق هو الذي يعزز الأمن الوطني في المجتمع، وهو خط الدفاع الأول لمكافحة
الإرهاب ونبذ جميع أشكال الكراهية والتطرف”.
وفي ظل المؤشرات الأخيرة، يقول المشرقي إن "منحنى حق الرأي والتعبير
يتجه باتجاه التراجع ما يهدد باقي الحقوق باعتباره العمود الأساس لها”.
واعتبر أن تسييج "الكالوتي” هو "رسالة تكشف أن هناك سياسة لتقييد
الحريات”، مستنكرا في الوقت نفسه قرار ديوان تفسير القوانين الذي "يحد من حماية
الصحفيين وحرية ممارستهم لعملهم”.
واعتبر المشرقي أن "من الأولى تعديل التشريعات المقيدة لحرية الإعلام
بدلا من إقرار قوانين تشرعن ذلك”، مطالبا بتعديل قانوني مكافحة الإرهاب والجرائم
الإلكترونية الذي يرى أنه أصبح "كسيف مسلط على الصحفيين”.
من جهته، يقول محلل دستوري وحقوقي، طلب عدم نشر اسمه، إن "حرية الرأي
والتعبير في الدستور لم تأت مطلقة، فالمشرع الدستوري صاغها بطريقة بحيث تكون وفق
أحكام القانون، وبالتالي فإن ممارسة أي حق يجب أن تكون وفق هذه الأحكام، إضافة إلى
أن المشرع الأردني يملك الصلاحية بتنظيم ممارسة الحقوق والحريات”.
ويشير إلى أن هناك "قرارات من المحكمة الدستورية تمنح المشرع القانوني
صلاحية تقديرية لتنظيم ممارسة الحقوق والحريات”.
ويضيف "المحكمة الدستورية فرضت أن يكون القيد الوحيد لحق المشرع في
تنظيم ممارسة الحقوق والحريات، ألا يؤدي إلى إفراغ الحق من مضمونه”.
ويتابع "وفقا للمعايير الدولية لتنظيم الحقوق والحريات، فإنها تعترف
للدول بالحق في تنظيم ممارسة الحقوق والحريات، لكن وفق شروط معنية، هي أن يكون
القيد على الحرية بنص صريح في القانون، وأن يطبق على الجميع على قدر المساواة،
إضافة إلى أن يكون هذا القيد ضروريا لحماية المجتمع الديمقراطي والمصلحة العامة”.
ويتساءل "هل القيود التي تضعها الدولة على الحقوق والحريات ضرورية
لحماية المجتمع الديمقراطي والمصلحة العامة، وبالتالي، ومن خلال الوقائع الأخيرة،
يمكن القول إن الدولة تفرض قيودا على الحقوق والحريات خارج إطار حماية المجتمع
الديمقراطي والمصلحة العامة؟”، معتبرا أن هذه القيود "غير ضرورية ومخالفة للمعايير
الدولية”.
بدوره، يعلق وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال الناطق الرسمي باسم
الحكومة محمد المومني على آراء المحللين، بالقول "الأردن مستمر باتخاذ الخطوات
وتبني السياسات التي تكفل حرية الرأي والتعبير، وذلك ضمن الانصياع الكامل لدولة
القانون”.
ويضيف "بالتالي فإن تطبيق القانون والتشريعات هو العامل الأهم لترسيخ
حرية الرأي والتعبير التي يحرص الأردن على استدامتها وتنميتها، بما يعزز من مكانة
الأردن كدولة متحضرة تصون حرية الرأي والتعبير وتطبيق القانون على من يتجاوز
عليه”.