أخبار البلد- رحيل محمد غرايبة
فكرة تأسيس المركز الوطني لحقوق الإنسان فكرة رائدة، تستحق التقدير كما يستحق المركز مزيداً من العناية والرعاية، ومزيداً من التمكين بأدوات الرقابة على الممارسات العامة التي تتعلق بقيم «الحرية»، ومنظومة الحقوق الإنسانية التي تحتل مكانة عالية في هرم الحاجات الأساسية للفرد والمجتمع الإنساني. اعتاد المركز على إصدار تقرير سنوي يرصد حالة حقوق الإنسان في الأردن، ويؤمّل من هذا التقرير أن يسهم في تحسين البيئة التشريعية العامة، ويحسن أداء المؤسسات من حيث الالتزام بالمعايير العالمية التي تتعلق بحقوق الإنسان وحرياته، ويسهم في الارتقاء في الوعي الجمعي العام، الذي يشكل العامل الأكثر أهمية في صياغة الحق وحفظه. وفي هذا السياق ينبغي على الأطراف المختلفة القيام بواجبها تجاه هذه القضية المهمة، حيث تشتد الحاجة الماسة إلى فهم العلاقة الدقيقة بين الحرية والسلطة من جانب، وبين الحرية والدين من جانب آخر، من أجل الوصول إلى حالة من التوافق المجتمعي على الإطار الفلسفي العام لمضمون الحق والحرية، ومن أجل تقليل مساحة الجدل العقيم الذي يدور أحياناً بين كثير من المتحاورين في ظل واقع بائس ومؤلم وشديد المرارة، من حيث حجم الانتهاكات الخطيرة التي تتعرض لها حقوق الإنسان وحريته في عالمنا العربي. تعرّف الحرية بأنها المكنة العامة التي تجعل الإنسان قادراً على الاختيار، بمعنى أن يكون الإنسان متمكناً من اكتساب حقوقه وأداء واجباته، وفق إرادة مكتملة تخلو من القهر وعوامل الإكراه، ولذلك لا معنى للوجود الإنساني بلا حرية، لأن الفرق الجوهري بين الآدمي وبقية الكائنات الحيّة يتمثل بالمهمة الإنسانية القائمة على معنى خلافة الأرض وإعمار الكون، والحفاظ على عوالم الكون المسيّرة لأداء وظيفتها والمسخّرة لخدمة الحياة وفقاً لمنظومة من النواميس الثابتة الموزونة. العلاقة بين السلطة والحريّة تقوم على أمر قطعي يتلخص بعبارة واضحة ومحددة ومختصرة «السلطة في خدمة الحرية»، حيث أن السلطة عبارة عن اختراع بشري وجد من أجل الحاجة الملحة للتجمع البشري بحفظ الحقوق الفردية والحريات العامة، من خلال امتلاك المجتمع للقوة الموجهة وفقاً لإرادته العامة المنضبطة، ولذلك فإن السلطة التي تخرج عن وظيفة حراسة الحرية العامة تكون قد دخلت في دائرة العدوان، حيث لا يملك صاحب السلطة أي حق بمصادرة حريات البشر، وعندما تمارس السلطة الاعتداء فقد فقدت مبررات وجودها. العلاقة بين الدين والحرية؛ يجب أن تفهم في سياق واضح لا لبس فيه، تتمثل بالقول إن الحرية تسبق الدين، لأن الدخول في الدين يقتضي توفير الإرادة المطلقة القائمة على الفهم والاقتناع، وتخلو من الإكراه والقهر بكل درجاته (لا إكراه في الدين)، مما يعني قطعاً توفير الحرية أولاً، ولا عقاب في الدنيا على الاختيار الحر للمعتقد والفكر، ولا يملك أهل الدين أي سلطة تخولهم استعمال القوة في فرض آرائهم ومعتقداتهم، وهذا هو مضمون خطاب الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) وقوله: (فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ)، ولذلك تنحصر وظيفة العلماء والفقهاء والدعاة، والأنبياء من قبلهم في تبليغ الكلمة وإقامة الحجة فقط. احدى وظائف الدين الرئيسة تتلخص بتشكيل المرجعية العليا القيمية العليا للمجتمع، والإسهام في صياغة القواعد والمبادىء العامة، والأعراف الجامعة المحكمة، التي تشكل الإطار الفلسفي العام للمجتمع، الذي تنبثق منه التشريعات والنظم الضابطة لممارسة الحرية وعملية اكتساب الحقوق، وكيفية أداء الواجبات، وظيفة السلطة في هذا الجانب تتمحور في تطبيق التشريعات وإنفاذها، بطريقة تحقق غايتها ومقصودها، والسلطة تكتسب شرعية وجودها من خلال اختيار المجتمع؛ عبر الانتخابات الحرّة النزيهة المعبّرة عن الإرادة الشعبية العامة، ولا تملك السلطة المنتخبة مصادرة حقوق الناخبين أو الاعتداء على حرياتهم أو قهر إرادتهم.