أخبار البلد - جمانه غنيمات
بشكل ثقيل، ألقت الظروف الإقليمية المتدهورة بتداعياتها الكثيرة على الاقتصاد الأردني، لدرجة يكاد يختنق معها. فالمعابر الحدودية الأساسية باتت مغلقة تقريبا في وجه البضائع الأردنية، بما ألحق ضرراً فادحاً بالتجار والمصدرين، وعلى نحو يزداد تفاقماً بمرور الوقت.
الإغلاق أصاب واجهتين حدوديتين كانتا فعلياً بمثابة الرئتين اللتين يتنفس منهما الاقتصاد الوطني. فبداية، وبدرجة أولى، كانت الحدود السورية التي تراجع عبور الشاحنات منها، نتيجة الظروف الأمنية السائدة على الحد الشمالي. وليتعمق الوضع القائم منذ سنوات بالتطور الأخير قبل أيام، متمثلاً في توقف تصدير الخضار والفواكه، عدا عن إغلاق معبر جابر أمس، ولو مؤقتاً، بسبب احتدام القتال حوله. هذا إضافة إلى انقطاع طرق التصدير لأوروبا.
كذلك، ومنذ أحداث المناطق الحدودية العراقية-الأردنية قبل أشهر، عقب سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي على مناطق واسعة من الجارة الشرقية، اتُخذ قرار أردني بعدم السماح للشاحنات والسائقين الأردنيين بالدخول إلى العراق، خوفا على حياتهم. وليصبح، بموجب التعليمات الجديدة، نقل البضائع عبر الحد من خلال سائقين عراقيين؛ الأمر الذي رتّب كلفا إضافية، إذ تصل أجرة السائق العراقي إلى 2000 دولار عن كل شحنة (نقلة)، ما أدى إلى تخفيف وتيرة نقل البضائع إلى مستويات خطيرة، كنتيجة طبيعية لضعف الجدوى والمردود.
ويظهر الدليل جلياً على الأزمة الاقتصادية "الحدودية" عموماً، في تكدس البضائع في المنطقة الحرة والمخازن؛ والذي لا يعني فقط تعطيل مبالغ طائلة بحجم قيمة هذه البضائع، بل أيضا مراكمة الخسائر على أصحابها، وتفاقم أوضاعهم سوءا.
يقابل "الحصار" الحدودي، تباطؤ شديد في تجارة التجزئة الداخلية، وتواضع حجوم الاستثمار، لأسباب كثيرة؛ أهمها حالة عدم اليقين التي تسيطر على أصحاب رؤوس الأموال، بسبب الأوضاع الأمنية الإقليمية خصوصاً. يضاف إلى ذلك ضعف النوافذ المتاحة للرياديين من أصحاب الأفكار، وتحديدا تلك المتعلقة بإقامة مشاريع اقتصادية صغيرة ومتوسطة.
التفاصيل كثيرة، وجمعها كلها في لوحة واحدة سيكشف الحال الصعبة التي يمر بها الاقتصاد، ويعرّي "حقيقة" أن النمو المحرز مقبول؛ كونه لا ينعكس على مختلف القطاعات الاقتصادية، وعلى جميع شرائح المجتمع.
ما الحل، وكيف ننقذ الاقتصاد من حالة الاختناق التي يعاني منها، منذ فترة غير قصيرة؟
بصراحة، الحلول الممكنة محدودة. ونتائج الوصفات بالكاد تكون مؤثرة في ظل سرعة المتغيرات السياسية والأمنية والعسكرية التي تمر بها المنطقة، وتربك الاقتصاد والمال.
مع ذلك، يبدو الحل المتاح والأفضل هو ذاك المتمثّل في "الاستثمارات السياسية"؛ أي تلك الاستثمارات الأجنبية التي تقام في الأردن من قبل حلفائه السياسيين لدعم الاقتصاد، ولو جاء ذلك على حساب أو خلافاً لكل دراسات الجدوى الاقتصادية الخالصة؛ وبحيث يكون المحفّز للشروع بهذه الاستثمارات هو أساساً تقدير هؤلاء الحلفاء للاستقرار الذي يتمتع به الأردن ويصبّ في مصلحتهم أيضاً. هذا ناهيك عن قدرة المملكة على عبور الأزمات، كما التكيف والانسجام مع المواقف المختلفة، ربما لأسباب تتعلق بمحدودية موارده، وبما يعني ضمان مردودية هكذا استثمارات من ناحية اقتصادية بحتة في المستقبل القريب.
للأسف، "الاستثمار السياسي" مصطلح غير معروف في الأردن. ولم تخطُ دولة حليفة للمملكة خطوة واحدة باتجاه تطبيق هذا المبدأ، لأسباب غير معروفة، بل ومحيّرة. وذلك على النقيض مما حدث مع مصر في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي؛ حينما قرر أصدقاؤها دعمها بعشرات مليارات الدولارات، ليس لأن الأمن والاستقرار فيها على أحسن وجه، بل تقديرا من الداعمين لدور "الاستثمار السياسي" في عون مصر على تجاوز أزمتها التي تهدد الأمن والاستقرار.
وإذا كان الأردن اعتاد، وللأسف، الخذلان من قبل أصدقائه وحلفائه، ولم يحظَ يوماً بالدلال الذي يناله غيره من دون عناء، فإن وصول الاقتصاد اليوم إلى حد الاختناق، بالتزامن مع ارتفاع معدلات البطالة، وثبات المداخيل، وقفزات في عدد الفقراء، إنما يعني ضيق فسحة الأمل في عيون الأردنيين بشكل خطير؛ إذ يشعرهم ذلك بالاختناق، تماما كحال اقتصاد بلدهم.
لكن بانتظار الاستثمارات السياسية، والتي قد لا تأتي، يتعاظم دور رأس المال الوطني، ليكون هو المنقذ للاقتصاد الأردني من حالة الاختناق، قبل أن تجهز عليه تماماً.