سنظل نناقش الموازنة العامة للدولة بتلك الطريقة العدمية ما لم يصبح لدينا إستراتيجية للدولة لمدة ثلاث أو خمس سنوات ، تتبعها خطة عمل سنوية ، تعد الموازنة العامة بناء عليها لتكون ترجمة رقمية لتلك الخطة ، فلقد أرهقت السلطتان التنفيذية والتشريعية بعضهما البعض في نقاش لا يسر أحدا ، حتى ساد الاعتقاد بأننا نسير في نفق مظلم بلا أمل.
ليس كل ما جرى من نقاش خير أو شر ، فقد أظهر رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور أقصى ما لديه من صبر وحكمة ، وأظهر النواب أقصى ما لديهم من خوف على الحاضر ، وخشية من المستقبل ، ولكن الأمر الواقع فرض نفسه وحظيت الموازنة بالموافقة والقبول بكل ما لها وما عليها.
لقد حان الوقت لكي نتعلم الدرس ، وأن نتذكر عنصرين مهمين عندما نقرر صياغة الإستراتيجية التي أشرت إليها ، وفي كل المراحل التي تليها ، وهما « الأسس ، والفرضيات « أي الأسس الثابتة التي تقوم عليها الدولة وفق مواد الدستور الأردني ، والتشريعات والقوانين والأنظمة وغيرها ، والفرضيات غير الثابتة التي نحسبها بأدق القياسات والمعايير لكي نضمن للدولة الحد المناسب من التوازن والاتزان والثبات وهي تواصل طريقها نحو التنمية الشاملة ، والإصلاحات المنشودة.
التفكير في استراتيجية عامة للدولة يعني القدرة على التفكير الإستراتيجي الذي يأخذ في الاعتبار نقاط القوة والضعف ، والفرص والتهديدات ، ويرى معالم الطريق بوضوح ، ويقدح العقول بالأفكار والإبداعات والمبادرات التي تعيد صياغة الموقف بناء على الثابت والمتغير.
لا بد أن نعتمد هذا النوع من التفكير لكي لا نذهب متأخرين إلى مناقشة موازنة جديدة يسبقها نقاش حول نتائج الموازنة السابقة من حيث الدخول والنفقات والانجازات ، دون أن يغيب عنا كيف نخطط المشاريع الرأسمالية لتكون مشاريع إنتاجية ، أو كيف نضع معادلة تقوم على زيادة الايرادات بدل تخفيض النفقات ، على سبيل المثال ، وبذلك نكون قد أسسنا لمرحلة جديدة أكثر وضوحا وثباتا ، وفائدة على برامج التنمية الشاملة وعلى المصالح العليا للدولة.