قرأت عبارة كتبها نعوم تشومسكي ونسبها الى مؤرخ ورئيس قضاة في الامبراطورية الرومانية اسمه كورنليوس تاسينوس قال: « عندما تكشف الجريمة لا ملجأ لها سوى الوقاحة «. والحقيقة ان الولايات المتحدة عندما تتعامل مع قضايا الشعوب تلجأ الى الوقاحة، وتستخدم اكثر من مكيال تجاه مسألة الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان وحق تقرير مصير الشعوب، وتلجأ في كثير من المواقف الى الجغرافيا لتمارس التمييز في استخدام قواها العسكرية ونفوذها السياسي، حتى اننا نحتاج الى من يملك القدرة السحرية لاقناعنا بأن واشنطن تحارب الارهاب من قلب ورب، حيث تحوم الشكوك حول موقفها الضبابي، في حين نراها تجاهد ساعية الى الحفاظ على وحدانية قيادة العالم لفرض هيمنتها وفرد سطوتها.
وعندما استعادت روسيا دورها وقدرتها كوريث للقطب السوفياتي، بدأت تبحث عن مصالحها ومناطقها، لقناعة العالم بضرورة ايجاد توازن دولي يتحقق بوجود القطب الاخر من اجل السلم العالمي. وبالمقابل شنت الولايات المتحدة هجومها المضاد كقوة عظمى لتحطيم مجاديف روسيا وقطع الطريق امامها، بل قفزت الى حديقتها الامامية، بحيث اصبح عسكر حلف الاطلسي على حدودها عبر اوكرانيا.
ولكن روسيا ليست جمهورية موز، بل دولة عظمى، وهي تعرف ان هناك اختلافا في فهم العدالة والسلام وحق الشعوب في تقرير مصيرها، وتعرف ان هناك رأسمالية متوحشة تخلق الحروب والازمات، وتعمل من اجل مصالحها تحت عنوان مبادئها، وعلى حساب حقوق وقضايا الشعوب، وفي مقدمتها قضية الشعب الفلسطيني، ومسألة الحرب على الارهاب باسلوب ضبابي غامض، ودعم مشروع الشرق اوسط الجديد.
واذا كانت واشنطن، ومن معها من الدول الاوروبية، قد فرضت عقوبات على روسيا، محاولة اعادتها الى داخل الستارالحديدي ومحاصرتها، فقد نجحت موسكو في اعادة احياء دورها القديم، كذلك احياء شبكة علاقاتها مع الدول التي كانت صديقة للاتحاد السوفياتي، اضيف اليها بعض الدول التي عاشت حالة التغيير ايضا، حتى ان بعض الدول في العالم الثالث ارتبط بعلاقة جيدة مع روسيا دون ان يقطع علاقاته مع الولايات المتحدة.
هذا الاختراق الروسي للحصار الاميركي بدأ بتوطيد علاقات موسكو مع ايران وسوريا والجزائر ومصر التي تسعى لتنويع علاقاتها كي تخرج من التبعية، التي حاول البعض تكريسها عندما وضع جميع الاوراق بيد واشنطن. كذلك اقامت روسيا حالة من التعاون والتنسيق الاقتصادي والسياسي مع الصين والهند والبرازيل. ولم تتوقف الامور عند هذا الحد او الرد، بل قفزت موسكو الى الحديقة الخلفية للولايات المتحدة، واعني كوبا وفنزويلا ونيكاراغوا، التي ارتبطت باتفاقيات تعاون عسكري مع روسيا، وهي خطوة جاءت بمثابة الرد على الدور الاميركي في الازمة الاوكرانية.
هذا الصراع داخل النظام العالمي الجديد يؤكد وجود أكثر من قطب، كما يذكرنا بزمن الحرب الباردة التي اعتقد الغرب انها انتهت بسقوط الاتحاد السوفياتي واسقاط جدار برلين. ولكن نخشى ان يكون الشرق الاوسط هو الساحة المركزية لهذا الصراع، وان يكون النفط والغاز جوهر ووقود هذه الحرب التي تشنها اميركا على روسيا وكل من حالفها، بعدما ثبت ان الولايات المتحدة غير جادة في تجفيف منابع الارهاب في المنطقة، وقد يكون الهدف اطالة امد الفوضى والعنف والحروب الاهلية لاسباب اسرائيلية ومصالح اميركية.