أخبار البلد - من حيث المبدأ، أنا مع إعادة هيكلة وتصويب أوضاع جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، لكن على أن يكون ذلك قراراً ذاتياً، يعكس وعياً داخلياً ناضجاً بضرورة الفصل والتمييز بين الجانبين الدعوي والسياسي، أسوة بالتجربة المغاربية التي فصلت تماماً بين حزب العدالة والتنمية المغربي من جهة، وحركة التوحيد والإصلاح من جهة أخرى، لما يؤدي إليه هذا الفصل من تطوير وتحديث وتعزيز للجانب الإصلاحي البراغماتي في تجربته السياسية.
مع ذلك، لا أتفق أبداً مع ما قام به بعض القيادات التاريخية في الجماعة، والمعروفة بتوجهها المعتدل؛ عبر القيام بتقديم طلب تسجيل حركة إسلامية أردنية جديدة باسم جماعة الإخوان المسلمين، من دون التنسيق مع القيادة الحالية، ولا ضمن الاتفاق مع أطر الجماعة المختلفة.
أعرف تماماً دوافع هذه النخبة، والأسباب التي أدت إلى تجاوزها القيادة الراهنة، وفي مقدمة ذلك الأزمة الحالية العاصفة غير المسبوقة في تاريخ الجماعة. لكن تداعيات مثل هذه الخطوة على صعيد الجماعة وإرثها من ناحية، وعلى الصعيد الوطني من الناحية الأخرى، ليست إيجابية، ولن تحل المشكلة، بل ستجذّر الأزمة الراهنة، وستعطيها أبعاداً سياسية واجتماعية وثقافية أسوأ.
لا أعرف إن كان هناك لدى أصحاب هذه المبادرة إجابات عن أسئلة مهمة وأساسية، فكّروا فيها قبل المضي قدماً بهذه الخطوة، في مقدمتها: لمن سينحاز الجسم الأكبر في جماعة الإخوان المسلمين الذي يتكوّن من آلاف الشباب؟! الجواب، من خلال التجارب السابقة، واضح.
السؤال الثاني: هل ستكون هذه الخطوة إيجابية على صعيد الوحدة الوطنية ودور الجماعة في هذا السياق، أم على النقيض من ذلك؛ ستؤدي إلى تفريخ حركتين وتيارين، وكأنّ كلاّ منهما يمثل شريحة اجتماعية معينة، ما يعزز الهويات الفرعية، بينما كانت الجماعة في مراحل تاريخية سابقة عنواناً من عناوين الوحدة والتنوع الوطني؟!
السؤال الثالث: في حال تبعت هذه الخطوة خطوات أخرى من الدولة تجاه الجماعة الأم، بخاصة بعد محاكمة زكي بني ارشيد، والاعتقالات الأخيرة بحق بعض أبناء الجماعة؛ كأن يزيد التضييق عليها قانونياً وإدارياً وسياسياً، فهل هذا سيدفع الكتلة الكبيرة من الشباب الإخواني إلى الحركة الجديدة، أم سيدفع بهم إلى التحول نحو الرؤية الراديكالية؟!
خلال الأعوام الماضية، مثّلت جماعة الإخوان المسلمين واجهة سياسية؛ ليس فقط للصوت الإسلامي الذي يعلن القبول باللعبة السياسية والديمقراطية (مع الاحتفاظ بعلامات استفهام موضوعية على ذلك)، بالإضافة إلى أنّها تمثّل في قواعد اللعبة السياسية مكوناً اجتماعياً عريضاً وواسعاً، يمتاز بخلفية اجتماعية معينة، ويعبر عن مصالح الطبقة الوسطى المحافظة في البلاد. وربما تكمن المشكلة الجوهرية اليوم في أنّ البديل عن دور هذه الجماعة وما تمثله من توجه سياسي، قد لا يكون، بالضرورة، ولا على الأغلب، هو الحركة الإسلامية الوليدة المفترضة، بل سيكون الالتفات نحو التوجهات المتطرفة، بخاصة أنّنا بدأنا نلحظ انتشاراً وقبولاً لدى التيار السلفي الجهادي في أوساط من الطبقة الوسطى والمتعلمة في الأعوام الأخيرة.
مرّة أخرى، أنا مع أن يقدم الطرفان تنازلات؛ فالظروف تغيرت. وعلى قيادة الإخوان الحالية التحلي بقدر من العقلانية والواقعية والبراغماتية، كما أنّ على الطرف الثاني إدراك خطورة مآلات هذه الخطوة. فيما على الدولة أن تفكّر ملياً في أهمية وجود الجماعة كجسم موحد في المشهد السياسي، بعيداً عن المتغيرات الإقليمية المتحولة سريعاً؛ فشقّ الإخوان وإضعافهم الآن ليس مصلحة لا وطنية ولا سياسية، ولا حتى اجتماعية.