الجامعة الأردنية بما تملكه من مخزون ثقافي عريق، وسجل حضاري متميز كانت أكثر المؤسسات الأردنية إسهاماً في صياغة الشخصية الأردنية، واستطاعت أن تضع بصمتها بوضوح على مجمل المسارات الفكرية والثقافية والعلمية، من خلال جمهرة الأساتذة المتميزين، الذين يمثلون خيرة أبناء هذا الشعب المعطاء، وذلك بسبب تقدمها في النشأة وكانت هي الجامعة الوحيدة على مدار عقود من السنوات، مما جعلها تستقطب خيرة العقل الأردني، وربما كانت كليات الأداب والعلوم الإدارية والشريعة، من اوائل الكليات تأسيساً، بالإضافة غلى كلية العلوم، فكانت هناك أسماء لامعة في حقل التاريخ واللغة العربية والفقه، يشار إليهم بالبنان على مستوى العالم العربي والإسلامي؛ وانعكس أثر ذلك على وجه الأردن المعتدل في مختلف الأصعدة والمستويات، وبقيت الساحة الأردنية عصية على التطرف والعنف والفكر المنحرف.
أما كلية الشريعة فكان لها دور مقدر ومحترم، يحظى بالتثمين من كل المنصفين وأصحاب الخبرة، واستطاعت استقطاب جمهرة من العلماء الأفذاذ ما زالت أسماؤهم محفورة في الذاكرة العلمية أمثال العلامة مصطفى الزرقاء، والعلامة محمد المبارك، والأستاذ الدكتور فتحي الدريني ومحمد أديب الصالح ومحمد الزحيلي، وشخصيات أردنية كبيرة أمثال عبد العزيز الخياط، وابراهيم زيد الكيلامي والشيخ فضل حسن عباس وغيرهم ممن لا يتسع المقام لذكرهم من أهل الفضل والمعرفة والسمعة العلمية الرفيعة، حيث قضى معظمهم نحبه وهم على درب البيان وبناء العقل والأجيال، بالكلمة والفكرة المدروسة على العلم، والممزوجة بالحس الوطني الراقي والانتماء العميق للأمة وتاريخها وحضارتها السامية التي نفاخر بها الأمم.
يستعجل بعضهم ويقع في مصيدة المواقف المبتسرة، والانطباعات المخطوءة فيما يتعلق بالإسلام عموماً، وفيما يتعلق بالشريعة خصوصاً، حيث ما زال أسيراً لمظاهر المواجهة غير المحمودة في لحظة تاريخية معينة أدت إلى إصدار أحكام ظالمة فيها بعض التعميم والبعد عن التقييم العلمي والنظرة الشاملة، فيما يتعلق بكلية الشريعة على وجه التحديد، وتم بناء حاجز وهمي يفصل بين طلالبها وبين طلاب الكليات الأخرى، بطريقة ألحقت الضرر بالمجتمع كله، ولكن ما يجب الإشارة إليه بوضوح أن المساحة العظمى من التطرف تنتشر في أوساط غير الدارسين للعلوم الشرعية، ولو استطاعت بعض الجهات المحايدة أن تجري دراسة موضوعية على المنخرطين في حقل التطرف والعنف، فإن النتيجة سوف تكون مخالفة للانطباع العام، حيث أن الأغلبية الساحقة من المتطرفين هم من الذين لا يتقنون الفقه وعلوم الشريعة بإجمال، لأن الدارس لهذه العلوم على مقاعد الدراسة في الجامعات، ويتدرج بناؤه العقلي لعلم أصول الفقه والقواعد الفقهية ومقاصد الشريعة، ومناهج الفقهاء وطرق الاستدلال والاستنباط، سوف يتولد لديه حصيلة فقهية تجعله أبعد عن التسرع وإطلاق الأحكام، وأبعد عن إطلاق أحكام التكفير والإخراج من الملّة.
وفي نهاية المطاف ليس هناك ما يمنع من توجيه النصح والنقد العلمي والحوار الموضوعي فيما يخص هذا الشأن، لأننا بكل تأكيد مدعوون للتجديد والتطوير وإعادة النظر في المناهج العلمية على صعيد كلية الشريعة وغيرها، من أجل التعاون على صياغة الخطاب الإسلامي الصحيح القائم على الفهم السليم الذي يتسم بالاعتدال والوسطية والتسامح، وفي الوقت نفسه فإن دعوى المراجعة والتطوير تخص كل الأطراف بلا استثناء، لأن فكر الإقصاء والتهميش وإلغاء الآخر، وخطاب الشيطنة يكاد يكون سمة عامة وظاهرة لدى أهل السياسة وأرباب الإعلام الذين تعوزهم أمانة المسؤولية وأمانة الكلمة، ولذلك ينبغي توخي الحذر في إطلاق العنان للتصريحات الانطباعية، لما تلحقه من ضرر كبير وعميق في البنية المجتمعية، التي تحتاج إلى تعاون العقلاء والحكماء في تمتين الصف الداخلي بعيداً عن أسلوب تقاذف الاتهامات وتبادل الأوصاف غير الحميدة، ويجب أن نقف خلف مؤسساتنا العلمية الوطنية بالتقدير أولاً وبالنصح والنقد العلمي الموضوعي البنّاء.