بات من المتفق عليه لدى معظم المراقبين ان الملك عبد الله بن الحسين، قد انتزع لنفسه ولبلده مكانة رفيعة ، وحقق لدبلوماسية الاتصال المباشر حيوية وحضورا مهما في السياسة الدولية ، وفي التأثير على سير الأحداث في منطقتنا ، على الرغم من قيادته لبلد يفتقد للموارد المتاحة لنظرائه من القيادات العربية ، سواء من حيث المال أو عدد السكان ، فالأردن بلد محدود الموارد شحيح الإمكانات ، بعدد صغير من السكان ، ورغم ذلك كله فقد ظل يلعب دوراً يفوق أضعافا مضاعفة ادوار دول اخرى شقيقة ذات سكان وموارد وأموال طائلة .
منذ توليه لسلطاته الدستورية ، أعلن الملك عبد الله الثاني ، بلغته الإنجليزية المتفوقة " I am not my father " فالملك حسين ، كان عضواً في نادي الأقوياء العرب ، مع الأطراف الثلاثة في أسيا السعودية وسوريا والعراق ، ومع الأطراف الثلاثة في إفريقيا مصر والجزائر والمغرب ، ومع ذلك ، كان الحسين يقف مع هؤلاء كلاعب رئيسي في النظام العربي، بسبب إمتلاكه لورقتين في غاية الأهمية ، أولهما أمن الخليج العربي ، حيث كان الأردن يلعب دوراً مؤثراً في الدعم الأمني والعسكري لبلدان الخليج العربية الستة ، وينهض بتدريب كوادرها والإشراف على مؤسساتها الأمنية والعسكرية حتى وقفت على ارجلها وتفوقت وباتت في وضع مستقر ، وهي ورقة خسرها الأردن بعد التدخل الأميركي المباشر في الخليج على أثر الإجتياح العراقي للكويت عام 1990 ، مثلما إفتقد الورقة الثانية وهي الورقة الفلسطينية التي إستعادها الفلسطينيون لأنفسهم ولم يعد لهم وكيلاً لقضيتهم ، وباتوا هم الممسكين بورقتهم وتمثيلهم ، عبر تضحياتهم، وتمثيلهم المستقل لانفسهم ، عبر قرار القمة العربية 1974 وقرار فك الإرتباط عام 1988 .
من هنا ، ورث الملك عبد الله نظاماً يفتقد لورقتي القوة التي سبق لوالده الملك حسين ان امسك بهما طويلا، ومع ذلك إستطاع الملك الابن، كما هو والده، الصمود في وجه العثرات والتقلبات والأجواء غير المستقرة التي تجتاح العالم العربي ، وخاصة بعد ثورة الربيع العربي التي أطاحت بزعماء أقوياء وأصحاب نفوذ كان أولهم زين العابدين بن علي ، مروراً بحسني مبارك ، ومعمر القذافي ، وعلي عبد الله صالح ، إضافة إلى الذي سبقهم الراحل الرئيس صدام حسين ، عبر التدخل العسكري والإحتلال الأميركي المباشر للعراق .
مثلما صمد أمام ضغط الحاجة وإتساع الفقر وتفاقم المديونية ، وعوامل سياسية محرجة ، بدءاً من المساس الإسرائيلي بالمقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين والرعاية الهاشمية لها ، مروراً بالوضع العراقي وهيمنة ولاية الفقيه الإيرانية على مقدراته ومؤسساته ، والوضع في سوريا الذي يتطلب موقفاً حازماً بالتعامل مع خيارين أحلاهما مُر ، إما بالإعتماد على الحضن الخليجي الذي ينتهج سياسة تعمل على إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد ، أو الإنحياز لولاية الفقيه الإيرانية التي تتوسل التوسع والهيمنة كما هي في العراق ولبنان واليمن ، لا سيما بعد ان تحول الصراع في سورية الى صراع دولي أميركي روسي ، وإقليمي إيراني خليجي تركي .
الأردن إتخذ قراراً مبكراً بعدم الإنحياز لكلا السياستين المتصادمتين على أرض سوريا ، فلا هو تورط مع الخليجيين في العمل على إسقاط النظام السوري ، ولا تجاوب مع الإغراءات الإيرانية العراقية للإنحياز نحو سياسة ولاية الفقيه الإيرانية ، وثبت صواب سياسته بالعمل والإعلان عن ضرورة التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية ، وها هي الأطراف جميعاً تصل إلى هذه الخلاصة بعد أن تم تدمير سوريا ، وفشل الحسم العسكري في إسقاط النظام أمام ضربات المعارضة المسلحة ، وبدون أن يُفلح النظام أيضاً بإستئصال المعارضة وتصفيتها ، وبات الأفق مفتوحاً فقط على إيجاد حل سياسي ، يساعد على ذلك التفاهم الإيراني الأميركي ، الذي نجح في إزالة نوري المالكي رغم نجاحه في الحصول على الأغلبية البرلمانية عبر صناديق الإقتراع ، وعلى أرضية هذا التفاهم الأميركي الإيراني المماثل أدى إلى تنصيب حيدر العبادي رئيساً للوزراء العراقي .
زيارة الملك عبد الله لواشنطن ، لم تكن بروتوكولية عابرة ، بل زيارة عمل تشكل محطة مهمة ونقلة نوعية ستؤثر على مسار الأحداث ، خصوصا وانها تمت بعد إنعقاد القمة الثلاثية الرباعية الخماسية في عمان يوم الخميس 13/11/2014 بحضور الثلاثي الملك عبد الله والوزير الأميركي جون كيري ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ، وحضرها عبر التلفون الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لمدة ساعة كاملة ، مما يعني أنه لم يكن مطلاً على تفاصيلها فحسب بل شريكاً في محادثاتها ، إضافة إلى توفر الرئيس الفلسطيني في عمان يوم القمة الثلاثية ، مما يدلل على إطلاعه ومطالعته عما جرى ، وأنه كان شريكاً أيضاً بدون حضوره المباشر أسوة بالرئيس المصري ، نظراً لحجم التعارض الفلسطيني الإسرائيلي وتصادماته .
زيارة الملك عبد الله لواشنطن وإجتماعه الثنائي مع الرئيس أوباما يوم الجمعة 5/12/2014 تناولت ملفات هامة يقف في طليعتها :
- ترتيب إجراءات التصدي للإرهاب والتطرف من قبل تنظيمي داعش والقاعدة في سوريا والعراق ومصر وليبيا ومجمل المنطقة ، وتركيز الخيار نحو الحل السياسي للأزمة السورية بديلاً للخيار والحسم العسكري ، ويبرز ذلك الآن من خلال مبادرات المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي مستورا ، والإنحياز نحو خيار التعددية في العراق .
- الدعوة لخلق الأجواء المناسبة لإستئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية .
- تعزيز مكانة مصر عربياً وأميركياً وإزالة المعيقات التي تعترض ترطيب العلاقات المصرية الأميركية .
مضامين الزيارة ونتائجها إنعكست على الدعم الأميركي للأردن بزيادة المساعدة المالية نحو مليار دولار سنوياً ، وقد لخص رئيس الكونغرس أهمية دور الملك عبد الله للأميركيين بقوله :
" نحن نستفيد من خبرات الملك عبد الله وتقييمه للأحداث وحصافة تفكيره " .
زيارة الملك عبد الله لواشنطن محطة مهمة سيتم الإعتماد على نتائجها لقراءة سير الأحداث في منطقتنا العربية، سواء في فلسطين أو سوريا أو العراق أو ليبيا أو اليمن. ولأن الموضوعات كانت هامة ولها نتائج ملموسة أمام نظر كل متابع ، لذلك جاءت زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى عمان يوم الخميس 11/12/2014 للإطلاع على فحوى نتائج الزيارة الأردنية ، فيما كانت زيارة الملك عبد الله الثاني، يوم الأحد 14/12/2014 للرياض، لإطلاع القيادة السعودية على ما تم بحثه في واشنطن .
h.faraneh@yahoo.com