<!-- /* Style Definitions */ p.MsoNormal, li.MsoNormal, div.MsoNormal {mso-style-parent:""; margin:0cm; margin-bottom:.0001pt; text-align:right; mso-pagination:widow-orphan; direction:rtl; unicode-bidi:embed; font-size:12.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-font-family:"Times New Roman";} @page Section1 {size:595.3pt 841.9pt; margin:72.0pt 90.0pt 72.0pt 90.0pt; mso-header-margin:35.4pt; mso-footer-margin:35.4pt; mso-paper-source:0; mso-gutter-direction:rtl;} div.Section1 {page:Section1;} -->
"على أجهزة السلطة أن ترفع يدها عن الإعلام". ليس بيننا من يعتقد عكس ذلك إلا أجهزة السلطة نفسها، ولعل الزملاء المعتصمين من أجل تحرير "التحرير" قد أوصلوا الرسالة إلى الحكومة وأجهزتها بشفافية غابت عن توجهات الحكومات على مدى السنوات الماضية. بل لعل أكثر ما يشكل سمةً بارزة في علاقة السلطة بالصحافة -ليس في الأردن فحسب بل في جملة دول عربية أخرى رأت في الأعلام نافذةً وعيناً ورئة- أن أجهزة السلطة في العالم العربي تعمل بشتى السبل لإفساد ما يمكن إفساده من الجسم الإعلامي، حتى يتسنى لها الخوض فيه واختراقه لصالح منطقها وممارساتها وطبعاً تجاوزاتها.
الحكومات العربية منذ عقود طويلة كانت تلعب دور "الكشاف" في عالم كرة القدم، حين يجول في المدن والملاعب والبلدات ليضع عينه على لاعب فيتابعه حتى يحسم صفقةً لبيعه أو استقطابه. وكذا أجهزة السلطة في العالم التي كانت تعمد لاختيار مواصفات بعينها، فتفتح الآفاق وتقطع الوعود وتمنح العطايا والهدايا، وتُرَشِح للمناصب الصحافية رغم تضارب تعبيري المناصب والصحافة كون الأول يسيء للثاني.
الحكومات أفسدت أسماء كبيرة في الإعلام العربي بالتوزير والتعيين في مجالس الإدارات والوظائف العامة.. في سعيها لترسيخ صورة الزواج المثالي بين الصحافة والسلطة الذي يؤول حتماً، وفي خضم تضخم المصالح وتغير الوجوه إلى أحد وجوه الطلاق أو الانفصال، أو حتى الخُلع.
أتذكرون المدونة السلوكية للصحافة، تلك التي صُممت لضمان حصانة لمن وَضعها فقط. هي أيضأً كانت تصبُ في ذلك الشكل من العلاقة بين السلطة والإعلام، وإلا لِم كانت هذه المدونة البائسة التي دفع ثمنها صحافيون قلائل وتجاوزت عن آخرين كثر.. واختُرقت بالأخطاء والعثرات والمهازل، وعملت فقط على لجم المنتقدين وإسكات الأنفاس إلا تلك التي تسبح بحمد الرئيس ولا تجرح شفافيته والحكومة.
الصحافة هي من تحتاج اليوم للحصانة من تدخلات السلطة وإملاءات المسؤولين ورؤى الموظفين الكبار القاصرة.. للحصانة من إغراءات السلطة وكشوف المكافآت التي لم تعد قادرة على إقناع الجمهور بأن "كله تمام" من أداء حكومي وبطولات وإنجازات وأرقام لا تُغني عند تحليلها ولا تُسمن من جوع.
في قصص السلطة والصحافة التي خبرتها عن قرب أن صحافياً تلفزيونياً في دولة عربية رفض عرضا من رئيس وزراء بلاده ليكون وزيراً للإعلام؛ الرفض جاء بسؤالٍ وجهه الصحافي للرئيس: أنت ترشحني لأني صحافي تلفزيوني ناجح.. أتحتاج صحافيا ناجحا أم وزيراً فاشلاً؟!
اختلطت الأمور على بعض من الصحافيين في العالم العربي، فباتوا لا يدركون إن كانت مهمتهم إيصال الرسالة للجمهور أم تمريرها للمسؤول أولاً، وكأن استراتيجية الدلال الحكومي لبعض الأقلام قد نجحت في تغيير المفهوم برمته، فكان ما كان من علاقة خاصة بين أجهزة الحكومات وبعض أصحاب الأقلام التائهة.
الأبرز في هذه المنظومة أن قطاعاً واسعاً من أشباه الكتَّاب وأنصاف الإعلاميين قد طرقوا أبواب هذه العلاقة "المفتاح" فَفُتحت الدنيا في وجوههم من دون تعب أو مثابرة.. هكذا ببساطة تجد نفسك في المقدمة بالأمر.
في المشهد المصري، مثلاً، تبرز الحكاية بشكل أكثر جلاء ومرارة. فالعديد من الكتاب والإعلاميين (الحقيقيين) عاشوا مرارة الحرمان من النجاح والشهرة إلا إذا ارتبطت طبعاًً بأخبار اعتقالهم ومطاردتهم من صحافية إلى أخرى، ومن برنامج إلى قناة.
في بيتنا ما نزال نُعين "من يخدمنا" لا من يخدم الإعلام والجمهور وقضايا الناس. نُتَوج ذلك المُسَيس على رأس مؤسسة إعلامية كبيرة ونأتي بالآخر "الذي يفهم علينا" لقيادة مؤسسة صحافية أخرى. وأتساءل بتعب قلب: ماذا يمكن أن يفعل المُسَيس والمهندس والمدرس في عمل التلفزيون أو الصحافة ان لم يأت من داخل البيت الصحافي؟
المطلوب اليوم، وضمن معطيات التغيير، أن نُرسخ لإعلام محترم ومستقل، يتحدث بلغة أبنائه لا بإملاءات كائنٍ من كان، وحتى تكون الحقيقة مبعثنا والتزامنا بمهنتينا ومصداقيتنا أساس علاقتنا بالسلطة والجمهور.