يثير موضوع التحاق د. سعد الحنيطي بتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) أسئلة متعددة، بخاصة أنّ الأوساط القريبة منه كانت تتحدث عن رؤية مختلفة توصّل إليها خلال محاولاته التوسّط بين "داعش" و"جبهة النصرة". ولعلّ المفارقة أنّ إعلانه الولاء لداعش تزامن مع الأخبار التي تؤكّد بأنّ أحد أبرز داعمي هذا التنظيم في الأردن، عمر مهدي زيدان، وصل هو أيضاً إلى هناك، بالرغم من أنّ الأخير كان يشكّك بالحنيطي دائماً، وبطبيعة علاقته بالتيار السلفي الجهادي عموماً.
سعد الحنيطي حاصل على درجة الدكتوراه في التربية. وقد أنهى الماجستير في التاريخ الإسلامي من جامعة آل البيت، وصدرت رسالته بكتاب حول علاقة الفقهاء والسلطة في العصر العباسي الأول. وهو من طبقة وسطى؛ أيّ أننا نتحدث عن شخص لديه مؤهل علمي عالٍ، وظروفه الاقتصادية جيدة، كما هي حال عدد كبير من الشباب الأردني الذي غادر والتحق بالنصرة أو "داعش"، من مثل الدكتور سامي العريدي، المسؤول الشرعي لجبهة النصرة اليوم.
وقد تؤشّر قصة الشاب الحراكي جهاد الغبن، الذي قُتل مؤخراً في سورية، أيضاً، على نموذج آخر. فهو في مقتبل العمر، بدأ بدراسة اللغة العربية في الجامعة الأردنية، وكان أحد أبرز الناشطين في الحراك الشعبي الأردني، وشارك في أغلب محطّاته الرئيسة. ولم يكن معروفاً بتوجهاته السلفية الجهادية، بقدر ما كان، كما يصفه أحد النشطاء، يبحث عن "هويته"، وعن إجابة للرغبة في التغيير؛ فكان ينوّع في قراءاته ما بين الإسلامية والماركسية، وتتسع دائرة علاقاته لتشمل مختلف التيارات.
كان سفر الغبن إلى سورية مفاجئاً لأغلب أصدقائه والمقربين منه، لكنّه لم يكن نموذجاً فريداً؛ إذ كانت هناك شخصيات عديدة شبيهة بحالته، منهم عدد من رفاقه في حيّ نزال، الذين لم يكونوا قبل ذلك على صلة بجبهة النصرة، وأغلب ميولهم أقرب إلى العمل التطوعي الإسلامي العام، ويحبون الحياة الكشفية. وبالإضافة إلى تنشئتهم الدينية، وكما يصف أحد المطلين على هذه التجربة "كانت لديهم طاقة شبابية كبيرة" يبحثون عن تفريغها. وبعد انتهاء زخم الحراك، شعروا بفراغ كبير.
الحال لا تختلف عن مجموعة من الشباب خرجوا من مدينة السلط، من عائلات تنتمي للطبقة الوسطى، وأغلبهم طلاب جامعات في تخصصات متنوعة، وكذلك الحال بشأن شبان من مدينة إربد والزرقاء والرصيفة؛ ليسوا كلهم ينتمون إلى السلفية الجهادية، بالرغم من أنّ الأغلبية هي كذلك. لكن التيار السلفي الجهادي نفسه تغيّرت تركيبته، فأصبح يضم اليوم مجموعة كبيرة من الشباب الجامعي المتعلّم، وذوي الشهادات العليا في تخصصات مختلفة، وأطباء ومهندسين، وجزء كبير منهم من الطبقة الوسطى.
بالنتيجة، من الضروري تصحيح الصورة النمطية الدارجة عن الأردنيين، بخاصة الشباب، الذين يلتحقون بهذه التنظيمات؛ إذ نجد تسطيحاً واختزالاً إعلامياً للظاهرة، وسذاجة في التعامل معها من قبل نخب سياسية رسمية، عندما توضع في سلّة الحديث عن الفقر والبطالة والجهل. وهي بالمناسبة حالة ليست أردنية فقط؛ ففي مقاله اللطيف في صحيفة "الحياة" اللندنية بعنوان "المجاهد التونسي في سورية متعلم وغير فقير.. ابن النظام السابق وابن انهياره"، يشير الزميل حازم الأمين إلى ظاهرة المقاتلين التونسيين في "داعش". وتبدو المفارقة أن الأغلبية ينتمون إلى المناطق الساحلية، التي كانت تحظى بدلال اقتصادي أيام نظام زين العابدين بن علي، وإلى أنّ عدداً كبيراً منهم من المتعلمين.
من الضروري، إذن، التفكير في هذه الظاهرة بصورة مختلفة، بعيداً عن الانطباعات الدارجة، والبحث فعلاً من خلال نماذج هؤلاء الشباب عن الأسباب والحيثيات والدواعي التي تقودهم إلى تلك التنظيمات؛ هل هي إقليمية أم محلية أم مزدوجة؟!