بالرغم من التصريحات المتفائلة لبعض وزراء الدول الخليجية، والتي تزامنت مع تسريبات إعلامية وصحفية تؤشّر إلى قرب انتهاء الأزمة الخليجية الداخلية، بعد الزيارة المفاجئة لأبرز المسؤولين السعوديين (وزيري الخارجية والداخلية ومدير الاستخبارات) إلى قطر، والالتقاء بأميرها الشيخ تميم بن حمد، إلاّ أنّ هناك حالة من الغموض والشك ما تزال تحوم حول البنود الحقيقية، غير المعلنة، لاتفاق الرياض، والتفاهمات التي تمّ التوصّل إليها في اتفاق الدوحة.
من المعروف أنّ قطر اتُّهمت، سابقاً، بعدم الجديّة في تنفيذ اتفاق الرياض، وسحبت ثلاث دول خليجية سفراءها من الدوحة (السعودية، والإمارات، والبحرين). وكانت التوقعات في الآونة الأخيرة تذهب باتجاه تصعيد غير مسبوق في الأزمة الخليجية، قد ينتهي إلى قطع العلاقات الدبلوماسية وتوقيع عقوبات بحق قطر، قبل أن تحدث "نقطة التحول" الأخيرة بزيارة المسؤولين السعوديين ولقاء جدة الداخلي، ثم الحديث عن احتمالية عودة السفراء خلال الأسابيع المقبلة.
من الواضح أنّ هناك رغبة سعودية كبيرة في عدم التصعيد مع قطر، فيما نجد أنّ أكثر الدول المتحفظة على الاستجابة القطرية لدول الخليج هي الإمارات، التي تصرّ على ربط عودة السفراء والإعلان الواضح عن نهاية الأزمة الخليجية، بتنفيذ قطر ما تبقى من تفاهمات.
ما يتم الحديث عنه علانية من قبل الأشقاء في الخليج بوصفه أسباباً للخلاف، عناوين فضفاضة عن المصالح المشتركة والأمن الخليجي وعدم التدخل في شؤون الآخرين؛ تواري وراءها مطالب محددة يتم الحديث عنها في الدوائر المغلقة، وأبرزها الموقف من الانقلاب العسكري في مصر، وما تعتبره الدول الداعمة للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، دوراً تحريضياً لصالح الإخوان المسلمين، والحديث عن وجود معارضين خليجيين في الدوحة، ودعم الجماعات الإسلامية في سورية.
في المجمل، تستبطن الخلافات الخليجية القطرية رهانات متضاربة ومتباينة بين الطرفين في الموقف من "الربيع العربي"، ومن ذلك حركات الإسلام السياسي؛ الإخوان المسلمون والسلفيون. فبينما تدعم قطر، مع تركيا، التغييرات التي تحدث في المنطقة العربية وهذه الثورات، وتدعم أجندة إدماج حركات الإسلام السياسي في الأنظمة الجديدة، فإنّ موقف دول الخليج الأخرى يقف على الجهة المقابلة تماماً؛ إذ ساندت تدخل الجيش في الحياة السياسية، ودعمت السيسي، كما أنّها توافقت على أجندة إقليمية تصف جماعة الإخوان المسلمين بالإرهاب، وتضعها في الحزمة نفسها مع "القاعدة" والجماعات الإسلامية المتطرفة.
يستبطن الخلاف الخليجي-القطري هاجساً عميقاً لدى كل من الإمارات والسعودية خصوصاً، يتمثل في قناعة هذه الحكومات بأنّ صعود الإسلام السياسي ونجاحه في المنطقة سيهدد أمن هذه الدول واستقرارها السياسي. وتشعر هذه الدول بحيرة تجاه مغزى الدعم القطري لحركات التغيير، والأسباب الحقيقية الكامنة وراء ذلك، طالما أنّ الخليج بأسره، باستثناء الكويت نسبياً، لا يتوافر على أنظمة ديمقراطية. وربما هذا يفسّر إصرار هذه الدول على وصف الدور القطري بتهديد الأمن الخليجي، بينما تصرّ قطر على أنّ الأمر لا يتعدّى الخلاف حول الموقف من قضايا المنطقة وملفات خارجية.
من باب التخمين والتحليل، فإنّ ترجمة التفاهمات الأخيرة (بين السعودية وقطر) في سورية والعراق ليست أمراً صعباً؛ فالدوحة والرياض تتفقان على مواجهة تنظيم "داعش"، وإن كانتا تختلفان على الموقف من الفصائل الإسلامية الأخرى، فإنّ تلك ليست معضلة كبيرة. أما فيما يتعلّق بتغطية "الجزيرة" لأحداث الخليج العربي، فيمكن أن تقدّم فيها الدوحة تنازلات، وكذلك الأمر فيما يتعلّق بتقييد حركة المعارضين الخليجيين في الدوحة.
تبقى العقدة في الخلافات بين الطرفين هي الموقف من مصر وتركيا؛ والسؤال: من الذي سيقدّم تنازلات للآخر، أم أنّ هنالك حلاً وسطاً ممكناً؟