اخبار البلد - يحيى شقير
كم تأسرني الفروسية في التعامل.
في تسعينيات القرن الماضي كنت مديرا لتحرير مجلة رسالة البيئة الفصلية التي كانت تصدرها جمعية البيئة الأردنية حين كان رئيسها دولة أحمد عبيدات. وبعد عمل 12 سنة أغلقوا المجلة فطالبت بحقوقي المالية فرفضوا على أساس أن عملي كان بشكل جزئي واستأذنت "الباشا" بأن أقاضي الجمعية وربحت القضية كاملة مع أتعاب المحاماة والفائدة القانونية.
وبعد سنوات أصبح دولة أحمد عبيدات رئيسا للمركز الوطني لحقوق الإنسان، فإذا سكرتيرة الجمعية تهاتفني بأن الباشا يريد أن يكلمني فطلبت منها التروي فلربما هناك خطأ ما وبعد قليل أعادت الإتصال مؤكدة أن دولته يريد التحدث معي، فحوّلَتْ الخط للباشا وبعد التحيات المعتادة طلب مني أن القي محاضرة حول حرية التعبير في الأردن في أول نشاط عام خارجي للمركز.
وفي الموعد المحدد القيت المحاضرة في المركز الثقافي الملكي وكان حاضرا آنذاك مدعي عام محكمة أمن الدولة ومعالي هشام التل رئيس المجلس القضائي حاليا.
وانتقدت قانون محكمة أمن الدولة وقلت عنه أنه تعسفي وظالم وعرفي وأضفت أن القانون الأردني لا يجِّرم ذم وقدح أي قانون. في مصر يعتبر ذلك جريمة مع تأكيدي أن حديثي لا يتطرق إلى قضاة المحكمة أو مدعيها العام. وضربت مثلا على ضرورة تعديل قانونها فقد كان يُحاكم فيها آنذاك خمسة أطفال بتهمة الإساءة لهيبة الدولة وقلت موجها كلامي لمدعي عام المحكمة وهو برتبة لواء: بالله عليكم ما الأمر الأكثر إساءة لهيبة الدولة ما قام به الأطفال الخمسة أم تبوُّلهم في ملابسهم عندما مثلوا أمام مدعي عام المحكمة؟! وليصحنني المدعي العام إن كنت مخطئا؟
وهنا طلب مني دولة أحمد عبيدات إعادة ما ذكرته "شويّة شويّة". فأعدت ما ذكرت وأضفت – مخاطبا المدعي العام – أن الأردن بعثك للدراسة في كلية "سانت هيرست" البريطانية لتعلُّم العلم العسكري وليس لمحاكمة أطفال وصحافيين وتضييع وقتك بمثل هذه القضايا! وبعد انتهاء المحاضرة، فإذا بمعالي هشام التل يقسم أنه سيعمل لي قهوة بيده، فرجوت معاليه بأن لا يفعل فهذا دَين في رقبتي لا أستطيع رده، لكنه أصرَّ على ذلك. قبل أيام تلقيت هاتفا من الباشا، وتحدثنا أقل من ساعتين وكنت حريصا على الاستماع أكثر من الكلام فالاستماع لرجل من هذا الوزن فرصة للتعلُّم، فكيف عندما يكون الأستاذ رئيس وزراء سابق، وبقية المناصب التي تسلمها يعرفها الجميع.