بداية الحديث مع جلالة الملك عبدالله الثاني كانت بالأسئلة المتعلقة بتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)، ومدى الخطر والتهديد الذي تمثله هذه "الدولة" في المرحلة الحالية على الأردن، بعد أن توسعت في سورية والعراق، ووصلت نشاطاتها إلى لبنان.
بيد أن الملك أخذ الكلام إلى قضية يبدو أنها تشغل باله بشكل أكبر؛ إذ قال: داعش أم غزة؟ واسترسل بالحديث عما يجري في القطاع، مفصلاً أنه العدوان الإسرائيلي الرابع الذي تتعرض له غزة، وشارحاً بإسهاب الجهود المبذولة في التواصل مع جميع الأطراف لإنهاء القتال.
الملك يدين الحرب على غزة، ويدعو إلى وقف العدوان فورا. وهو يبدو مشغولا بالخسائر البشرية؛ من الشهداء الذين سقطوا على مدار أكثر من شهر حتى الآن، كما الجرحى والعائلات المنكوبة والمشردة. يضاف إلى ذلك بالتأكيد الكلف المالية الضخمة اللازمة لإعادة إعمار ما دمرته إسرائيل، والمقدرة قيمته بحوالي 6 مليارات دولار.
جلالته لا يرى أن الحرب في صالح إسرائيل؛ ولا حسنات للحرب عموماً؛ وأن جميع سبل الضغط عليها واجبة لوقف عدوانها بأسرع وقت. فيما يبقى مصرا على أن حل الدولتين، بإقامة الدولة الفلسطينية القابلة للحياة، هو العلاج الجذري للصراع الذي بدأ العالم يتفهم طبيعته أكثر من ذي قبل.
خلال المقابلة الخاصة والشاملة التي أجرتها "الغد" مع جلالته بمناسبة عيدها العاشر، أعطى جلالته الوقت الكافي للحوار والنقاش بشأن الملفات المهمة والساخنة؛ محلياً وإقليمياً. ويتضح من الحديث مع جلالته حجم متابعته الشديدة لأدق التفاصيل المتعلقة بمختلف هذه الملفات، وتأثيرها على الأردن.
الملك بدا واثقا مطمئنا، رغم التحديات غير المسبوقة التي تفرض نفسها على الأردن؛ ما يعطي الإيمان بالتالي، وعلى المستويات كافة رسمية وشعبية، باستعداد الأردن لتجاوز المرحلة، وبأنه قادر على التعامل مع كل الملفات بثقة، تقود البلد عبر طريق آمنة إلى المستقبل.
من الحديث مع جلالته، والاستماع إلى رؤيته في التعامل مع المتغيرات في المحيط ، أدركت مدى قدرة الأردن على التكيف الاستراتيجي في علاقاته وتحالفاته، وبالتالي قدرته على إدارة الدفة بما يراعي مصالح المملكة.
ثقة الملك لا تنبع فقط من توفر القدرة الآن على التعامل مع الأوضاع والتهديدات القائمة حالياً، وإنما هي أيضاً ثقة تركز على مستقبل يستدعي مواصلة العمل والبناء. إذ يعيدنا جلالته في كل مرة إلى خريطة الإصلاح الشاملة والمتدرجة التي يؤمن بها، والتي تقوم على ترسيخ النهج الديمقراطي، وتكريس استقرار العمل النيابي والحكومي.
هكذا، يكون مفهوماً تماماً حجم الاهتمام الذي تستأثر به أحوال الناس لدى جلالته، وليبرز تركيزه على أوضاع الاقتصاد ومشاكله الرئيسة كأولوية ملكية، ضمنها خصوصاً مشكلتي الفقر والبطالة، مع ما لهما من تبعات اجتماعية. فهاتان القضيتان تستحوذان على جزء ليس بالقليل من اهتمام الملك الذي يطمح إلى ضمان مستويات معيشية أفضل للأردنيين رغم محدودية الموارد.
"داعش" التي بدأ السؤال حولها، أخذت حيزا من الحوار. والملك يبدو مطمئنا لناحية قدرات القوات المسلحة الأردنية على التصدي لها. إلا أنه يؤكد أنها مشكلة إقليمية، تظهر حتى اليوم في العراق وسورية. لكنه يستدرك بوجوب عدم إنكار وجودها وضرورة مواجهتها، لما لها من امتدادات إقليمية.
العراق الذي يعد عمقا استراتيجيا للمملكة، حاز أيضا جزءا من الحوار والنقاش. إذ تحدث جلالته بصراحة عن عمق العلاقة التاريخية التي تربط البلدين، كما عن مستقبل هذه العلاقة التي يحرص الأردن على تمتينها بأكثر من اتجاه، وبما يخدم استقرار العراق من خلال حل سياسي توافقي، يضمن مشاركة جميع الأطراف.
يبقى أن خلاصة الصراحة المتناهية في الحديث، إنما هي إيمان الملك بحرية الإعلام المهني والموضوعي، والتي أكد عليها غير مرة. وهو الأمر الذي يلقي على المؤسسات الإعلامية مسؤولية كبيرة، تتطلب الارتقاء بالمهنة وتخليصها من التشوهات؛ فالتوازن بين الحريات والمسؤوليات والأخلاق المهنية ضرورة، كما يقول جلالته