الانطباعات الشعبية الراسخة في الأذهان، تتمثل في أن الحكومات باعت كل ما تملكه للقطاع الخاص خلال سنوات الخصخصة، فلم يبق منه شيء. لكن الأرقام تتحدث بعكس ذلك؛ إذ ما تزال للحكومة ملكيات موزعة هنا وهناك، قيمتها تفوق ما تم بيعه في حقبة مضت.
ففيما تُقدر قيمة ما بيع في الماضي بنحو 1.75 مليار دينار، هي ثمن حصص الحكومة في 19 شركة، تبلغ قيمة المساهمات الحالية للحكومة في شركات ومؤسسات، وحتى نهاية السنة المالية 2013، نحو ملياري دينار.
وبحسب تقرير لجنة تقييم التخاصية، الذي أفرد فصلا خاصاً بقيمة حصص الحكومة تلك، فإن ملكياتها تشمل، إلى جانب الشركات، مساهمات في المؤسسات الدولية؛ منها صندوق النقد الدولي، وصندوق النقد العربي، والبنك الإسلامي للتنمية في جدة.
أكبر وأهم استثمارات الحكومة اليوم، يظهر في شركة البوتاس العربية التي تمتلك فيها الحكومة مساهمة يبلغ مجموع قيمتها 627.8 مليون دينار؛ تليها شركة الكهرباء الوطنية بمساهمة قيمتها 230 مليون دينار، فالمناطق الحرة بمساهمة قيمتها 181 مليون دينار، ومن ثم شركة مناجم الفوسفات الأردنية بقيمة مساهمة قدرها 137.6 مليون دينار، فالمدن الصناعية بمساهمة قيمتها 95.6 مليون دينار، والعبدلي للاستثمار بقيمة 91 مليون دينار.
بعد التجربة السابقة في الخصخصة، تبدو الفكرة السديدة بالحفاظ على هذه الملكيات وتعظيمها، لزيادة الإيرادات المتأتية من هذا الباب، وبالتالي تحقيق مصدر دخل بعيد عن الضرائب والرسوم؛ فهي ملكيات توفر دخلا استثماريا حقيقيا.
المشكلة أن إدارة هذه الأصول تتم، حتى اليوم، باستخفاف؛ فأعضاء مجالس الإدارة الممثلون للحكومة في الشركات، يتسمون في معظم الحالات، وللأسف، بكونهم غير كفوئين ولا مؤهلين، ما يضعف دور الحكومة في اعتماد إدارة حصيفة وشفافة لأصولها التي تُدار عمليا من قبل الغير.
إذ ما تزال العقلية الحكومية تفكر في عضويات مجالس الإدارة باعتبارها بابا للتنفيعات للمسؤولين السابقين، بعيدا عن التخصص والخبرة، ومن دون أخذ حسابات الربح والخسارة بعين الاعتبار، ومدى تأثير ذلك على المركز المالي لتلك الشركات، وصولاً إلى تواضع الدور الذي تلعبه الحكومة في تحديد مستقبل استثماراتها.
بعد إعادة النظر في معايير تعيين الممثلين، يمكن وضع خطط عملية لزيادة مساهمات الحكومة في هذه الشركات. ومثل هذه الخطوة لا تعني الردة على المبدأ الذي يقوم عليه الاقتصاد؛ كون إدارات هذه الشركات قد تمت خصخصتها فعلاً، ولم تعد تعمل وفق عقلية القطاع العام التي أوصلت كثيرا منها إلى أوضاع مالية متهالكة، وخسائر كبيرة، ما دفع الدولة إلى التفكير في بيعها للتخلص من حمولتها الزائدة.
الفرص مؤاتية لتوسيع قاعدة المساهمة. فمثلا، تستطيع الحكومة زيادة حصتها في "الفوسفات" من دون أن تدفع فلسا واحدا، وذلك من خلال المساهمة في أراضي خزينة مكتنزة بالفوسفات، تقدمها الحكومة لرفع حصتها في الشركة، طالما أنها تعجز عن منح جهة ثانية حق التعدين فيها، تبعا للاتفاق الموقع مع الشركة والذي يمنح الأخيرة حصرية الموافقة أو الرفض، بانتظار الفتوى الدستورية بهذا الخصوص.
أيضا، الأردن مقبل على إنشاء استثمارات ضخمة واستراتيجية خلال السنوات القليلة المقبلة، من خلال شراكات مع القطاع الخاص. وهذه الفكرة يجب أن لا تكون هامشية، بل لا بد أن تُدرس بعمق وبعد نظر، حتى تجني الخزينة منافع حقيقية لهذه الشراكات.
في الأردن لدينا أشكال عديدة من التشوهات الإدارية، إصلاحها ضرورة، خصوصا أن التوصيف صار واضحا، ومسببات المشكلة معروفة؛ ليبقى اعتماد الحل من عدمه مرتبطا بإرادة الإصلاح والتغيير، والانتقال إلى مرحلة جديدة من العمل.