مكافحة ظاهرة الإجرام بين السياسة الجنائية والسياسة العامة للدولة

مكافحة ظاهرة الإجرام بين السياسة الجنائية والسياسة العامة للدولة
أخبار البلد -  
اخبار البلد - بقلم القاضي بشير عبد الهادي عبد الصليبي

المتابع لوسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والإلكترونية وحديث المجتمع يلاحظ ازدياد حوادث الإجرام بجميع أشكالها وأنواعها ولذلك يجب على كل مسؤول يتعامل مع ظاهرة الإجرام أن يكون لديه تصور واضح عن المستقبل وأن يكون هذا التصور غاية يعمل من أجلها، وأن يمتلك الوسائل المؤدية إلى تحقيق هذه الغاية وأن يحدد بشكل واضح الوسائل القادرة على بلوغ هذه الغاية.
يجب على المسؤول أن لا يغفل عن العلاقة الرئيسية بين السياسة العامة للدولة وسياستها الجنائية، فمكافحة ظاهرة الإجرام تتطلب أن تكون هناك إستراتيجية تتضمن أهداف محددة تتحول إلى خطوات عملية والأهداف الإستراتيجية يجب أن تتميز بالشمول بحيث تشمل جميع أشكال الإجرام ويجب أن تكون كذلك طويلة المدى بالقدر المعقول وكذلك أن يكون هناك توافق بين السياسة الاجتماعية والاقتصادية وأخيراً يجب أن تكون هذه الاستراتيجية مرتكزة على التخطيط العلمي.

ولكن يمكن القول أن تعاملنا مع الظاهرة الإجرامية ينبغي أن لا ينصب عليها ذاتها وإنما يجب أن يتجه إلى حلها أي أن التركيز يجب أن يكون على الحل وليس على المشكلة، ولكن حين نواجه مشكلة فإننا ندور حولها ونهدر الوقت والجهد ونحن نتحدث عنها أو نفكر في أسبابها وأعراضها وآثارها بدلاً من أن نسعى في حلها، مع أن الاستغراق في المشكلة ذاتها يلهينا أحياناً عن البحث عن حلها، فبقدر أهمية تحديد المشكلة فإن تحديد الحل المطلوب وتحديد الموارد المادية لهذا الحل أكثر أهمية، وهذا ما يغيب بعض الأحيان عن الأذهان ومن أكبر المشاكل حين لا نعرف أن لدينا مشكلة أو حين نعرف بوجود المشكلة ثم ننكرها وينطبق ذلك على الأجهزة التي تتعامل مع الظاهرة الإجرامية التي تعاني من المشاكل التقليدية في العمل، ويمكن القول أن الظاهرة الإجرامية تظل تتكرر بوجوه وألوان متعددة ذات جوهر واحد وعادةً ما يتم مواجهة هذه الظاهرة بشكل طارئ دون معالجة السبب أو أن يتم معالجته أحياناً بنفس الأسلوب إلا أنها تعود للظهور من جديد.

في الحقيقة هي أن كثير جداً من المشاكل لا تجد لها حلاً في الواقع بقدر ما تجد الحل في أسلوب التفكير والنظرة والاستعداد لتغيير بعض الأفكار والقناعات في التعامل مع الظاهرة الإجرامية لكونه يغلب في بعض الأحيان أن تأخذ المشكلة حجمها من خلال ما نضيف نحن عليها حيث أن الظاهرة الإجرامية لا تحل إلا بإلغاء التي أوجدتها أو التي ساهمت بوجودها أو في الحالة التي وُجدت فيها من خلال استئصالها كاملةً وذلك منعاً لتفاقم الآثار المترتبة عليها وتعاظمها.

إن المجتمع قد طرأت عليه تغييرات عميقة ونجد أن التغيرات التي تركت آثارها على ازدياد ظاهرة الإجرام يمكن القول أنها نابعة من التطور العلمي والتكنولوجي وتعقد ظروف الحياة في ضوء المشاكل الاقتصادية وخاصةً مع قلة دخل الفرد بشكل خاص وكذلك الأزمة الاقتصادية وانتشار ظاهرة التفكك الأسري كل ذلك مع ازدياد الرغبة لإشباع الحاجات المادية، ومن التغييرات التي حدثت في المجتمع هي اختفاء الطبقة الوسطى التي أدت إلى اتساع الهوة بين طبقات المجتمع الأمر الذي ترتب عليه أن اختل التوازن بين أفراد المجتمع وانعكس ذلك على اضمحلال التكافل الاجتماعي، إلا أن التغييرات التي حصلت على المجتمع قد تركت آثارها في بعض الأمور التي تهم حياة الفرد ومنها قيام العائلة بالبحث عن مصادر زيادة الدخل الاقتصادي للأسرة لمواجهة أعباء الحياة اليومية الأمر الذي يترتب عليه ذهاب الأم للعمل وقضاء وقت طويل للوالدين في الأعمال اليومية حيث أدى ذلك إلى قصور في تربية الأطفال وتأخرهم في المستوى الدراسي وفي ظل غياب الأهل فإن المدرسة أو المربية أو دار الحضانة غير قادرة أن تقوم بالدور الذي يقوم به الوالدين، في ضوء ذلك فإن الاختلال العائلي قد رتب انعكاسات سلبية على سلوك الأطفال ونشأتهم.

ونجد بأن التوسع العمراني وخاصة في المدن الكبيرة أدى إلى نشوء أحياء قبل أن تستكمل بنيتها الأساسية حيث أصبحت هذه الأحياء تفتقر إلى أماكن الرعاية الاجتماعية والصحية والتعليم وبقدر الإمكان وأدى ذلك إلى غياب أماكن التسلية التي تستوعب طاقات الأجيال الشابة مثل الملاعب والحدائق، كل ذلك انعكس سلبياً على البنية الشخصية للأجيال الشابة حيث أدى ذلك إلى انصرافهم إلى أماكن ترفيه تشجع على ارتكاب الجريمة وتساعد على إنشاء بيئات إجرامية.

ومن أهم المشاكل التي تركت آثارها لدينا في الأردن وكذلك في مختلف دول العالم هي الأزمة الاقتصادية وآثارها على التنمية، ونجد أن أزمة الديون الخارجية في الأردن وكذلك الأزمة الاقتصادية في العالم كل ذلك أثر على حجم المساعدات الدولية وأوجه التعاون الدولي في مجال التنمية، ونجد أن ذلك لا يقتصر على الاقتصاد الأردني وإنما على معظم اقتصاديات العالم حيث سقطت في مستنقع الأزمة الاقتصادية مشكلة البطالة وهي من المشاكل الرئيسية حيث أدى تفاقم مشكلة البطالة تحولها إلى مشكلة هيكلية وليست دورية، ومن العوامل التي أسهمت في تحول مشكلة البطالة إلى مشكلة هيكلية هي الثورة العلمية والتكنولوجية حيث أصبحت حقول الإنتاج في كثير من الصناعات لا تحتاج إلا إلى تدخل بسيط من جانب الأيدي العاملة وكذلك من العوامل التي أسهمت في ارتفاع نسبة البطالة هو ازدياد العمالة الوافدة التي حلت محل العمالة الأردنية في كثير من النشاطات، ومن الأسباب التي أسهمت كذلك في ارتفاع مشكلة البطالة هي انخفاض الربح في قطاعات الإنتاج المادي التي تحتاج إلى أيدي عاملة في الإنتاج مما دفع كثير من رجال الاقتصاد إلى تحويل نشاطاتهم إلى الاستثمار في قطاع البنوك وأسواق رأس المال والأوراق المالية والإسكان وهي استثمارات تحقق معدلات أرباح أعلى فيما لو قورنت بالعائد المتحقق في قطاعات الإنتاج المادية مثل المصانع والزراعة وغيرها حيث أن الاستثمارات التي تحول إليها رجال الاقتصاد لا تحتاج إلى أيدي عاملة كثيرة، نجد أن مسألة تدويل الإنتاج والتي تمثلت في كثير من الشركات اعتمدت ظاهرة تدويل الإنتاج أي أن الشركات الاستثمارية أصبحت تتخذ من بعض الدول مثل الصين وتايوان وهونج كونج وكوريا الجنوبية مجالاً لاستثماراتها وذلك لكي تستفيد من العمالة الرخيصة الأمر الذي يصبح معه جلب الاستثمارات إلى الأردن لكي تساهم في حل مشكلة البطالة أمر بالغ الصعوبة وأخيراً فإن من الأمور ساهمت في ازدياد عدد العاطلين عن العمل هي لجوء الحكومة إلى تخفيض الإنفاق والاستثمار في مختلف المجالات الأمر الذي ترتب عليه انخفاض التوظيف في الأجهزة الحكومية ومؤسساتها، كل هذه الصور التي ميزت أزمة البطالة ليست مجرد أزمة تشغيل بل لها آثار سلبية على قيم الشباب ونظرتهم الأخلاقية وتشكيل حالة تدفع إلى ارتكاب الإجرام لدى بعض الشباب وخاصةً مع النظرة إلى المستقبل فإن أعداد المتعطلين عن العمل سيزداد بمعدل أكبر من المتوقع وهذا ما يمكن أن نلمسه من خلال مشاهدة الأعداد من الطلاب المتواجدين على مقاعد المدارس وكذلك بالنظر إلى الأعداد المتزايدة من الخريجين من الجامعات الحكومية والخاصة وكذلك الجامعات الخارجية.

اهتم المجتمع الدولي بمواجهة أزمة استراتيجية منع الجريمة وقد ناقشت الجمعية العامة للأمم المتحدة جسامة مشكلات الجريمة وآثارها السلبية على المجتمع فقررت في دورتها العامة سنة 1972 عندما أقرت توصيات المؤتمر الرابع للأمم المتحدة لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين الذي عقد في كيوتو في اليابان في عام 1970 استرعاء انتباه الدول إلى الإعلان الذي صدر عن هذا المؤتمر بإجماع الآراء والذي تضمن ما يلي:

- أن مشكلة الجريمة في كثير من الدول في آفاقها الجديدة يعتبر أكثر جسامةً من أي وقت آخر في مؤتمرات الأمم المتحدة لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين.
- لفت نظر العالم إلى النتائج الجسيمة التي تقع على عاتق المجتمع بسبب عدم كفاية الانتباه المعطى لتدابير منع الجريمة ومعاملة المجرمين.
- تأكيد حق كل دولة في صياغة وتنفيذ السياسات والتدابير الضرورية لمنع الجريمة طبقاً لظروفها واحتياجاتها الوطنية.
وجاءت الجمعية العامة للأمم المتحدة في سنة 1977 عندما أقرت توصيات المؤتمر الخامس للأمم المتحدة لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين الذي عُقد في جنيف سنة 1975 فأشارت إلى الضرر الذي يلحقه الإجرام بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية.
ويمكننا القول أننا في الأردن إن تجاوز ظاهرة الجريمة من إجرام البطون الخاوية وإجرام ذو الياقات البيضاء إلى مختلف أنواع الإجرام وازديادها مثل جرائم القتل والمخدرات وبيع الأعضاء والتسول وعنف الجامعات والعنف المجتمعي والسرقات بمختلف أنواعها والجرائم المادية بكافة أشكالها وكذلك الاعتداء على رجال الأمن العام والأطباء، فإن ازدياد هذه الظاهرة لهو تعبير واضح وصريح لفشل المجتمع وليس فشل قطاع من القطاعات في مواجهة ازدياد هذه الظاهرة، ومن لديه الاعتقاد بمسؤولية الأمن وحده في مواجهة ظاهرة الإجرام فهذا اعتقاد خاطئ لكون مسؤولية مكافحة ظاهرة الإجرام هي مسؤولية متكاملة تشترك فيها أجهزة الدولة الرسمية وكذلك مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص وهذه المسؤولية تتطلب أن تكون هناك إستراتيجية تشترك بوضعها كافة مكونات الدولة وأن يتحمل المجتمع مسؤوليته ولا يتحقق ذلك إلا بوضع إستراتيجية شاملة لمكافحة ظاهرة الإجرام ولإعداد هذه الاستراتيجية يجب أن يكون هناك مؤتمر وطني لدراسة أسباب هذه الظاهرة في المجتمع ووضع الحلول المناسبة لها.

تلك هي مشكلة الظاهرة الإجرامية التي أردنا أن ننبه لها وإن ندق الأجراس بداية لبحث هذه الظاهرة.
شريط الأخبار صحفيون يفوزون بجائزة الحسين للإبداع الصحفي شركة غاز الأردن: وزارة الطاقة عينت مستشارا لوضع تسعيرة لغاز حقل الريشة وستراجع شهريا الجيش يحبط محاولة تهريب مخدرات عبر درون اتحاد عمال الأردن: رفع الحد الأدنى للأجور لـ300 دينار على الأقل "أصبح حقا وجوبيا" الحنيطي يشدد على أهمية استمرار التأهيل لضمان جاهزية القوات المسلحة العملياتية وزير الخارجية: وقف التصعيد يبدأ بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان جيش الاحتلال يُقرّ بمقتل 7 ضباط وجنود في معارك جنوب لبنان ما قصة صواريخ الكنافة التي أطلقها النائب الظهراوي في الزرقاء؟.. فيديو افتتاح أول مشروع لتوليد الكهربـاء باستخدام الغاز الأردنـي غدا الخميس حزب الله: فجرنا عبوة ناسفة في قوة للاحتلال وأوقعناها بين قتيل وجريح الشرق الأوسط للتأمين تقر بياناتها وتوزع أرباحاً نقدية على مساهميها بنسبة (7%) القدس للتأمين تعقد اجتماعها العمومي وتوزع أرباح بنسبة 10% على المساهمين ذياب: الضربة الإيرانية أصابت إسرائيل في مقتل وأعادت الاعتبار لمحور المقاومة وأخرجت الناس على الشوارع فرحًا النمري: الضربة الإيرانية على إسرائيل "مجرد رفع عتب" ولم تحقق أي أهداف حقيقية "الثأر لدماء الحبيب هنية".. ما كُتب على الصواريخ الإيرانية قبل انطلاقها نحو مدن الاحتلال - فيديو آفاق للطاقة تعيد تشكيل لجانها الداخلية .. اسماء العبادي: "إيران تصفع نتنياهو بـ 180 صفعة وترفع معنويات الناس" الجيش الإسرائيلي يعترف: قواعدنا العسكرية والجوية تضررت جراء الهجوم الإيراني إسرائيل تعلن الأمين العام للأمم المتحدة "شخصا غير مرغوب فيه" حزب الله: نخوض اشتباكات ضارية مع جنود متسللين لمارون الراس وأوقعنا بهم اصابات محققة