عاجل من البحرين واليمن
كان متوقعا منذ سقوط العراق ثم لبنان أن تأتي الخطوة التالية في اليمن والبحرين فهما الحلقة الأضعف بسبب الإشكالية الديموغرافية الطائفية وتمثلان أيضا الموقعين الأغلى جغرافيا لتكونا قاعدتين متقدمتين لاختراق الخليج العربي من قبل المعسكر الإيراني، فنحن نقف اليوم أمام المرحلة الثانية من مراحل (تصدير الثورة) بعد أن تم تصنيعها بالموصفات الخاصة للنظام الإيراني وإعطائها النكهة الثورية والوطنية الدعائية للاستعمال خارج إيران لتسهيل عملية الاختراق وتخفيف الممانعة الشعبية العربية واستقطاب الجماهير والنخب الفقيرة فكريا لمنظومتها في الوطن العربي.
شكلت الانتفاضات الجماهيرية التي تحصل الآن في البحرين واليمن الفرصة الذهبية المنتظرة بالنسبة لرعاة الإسقاط الاستراتيجي المستهدف لهذين البلدين لصالح المشروع الإيراني، فقد كان المطلوب إيرانيا من المجموعات المرتبطة عقائديا معها في كلتا الدولتين أن يستغلوا الحالة الشعبية العربية المتحفزة للتغيير لركوبها واستخدامها في بلدانهم لتطويعها لصالحهم والاستيلاء على مراكز القوى لمصلحة (الولي الفقيه العام القابع في قم) والذي يفترض به إدارة أقاليم (الرعية) من خلال وكلائه المقترحين.
لقد قامت (الثورة) الإيرانية وتفرّغت لتفويج رهبانها المعممين وتوزيعهم على ارض الله المستهدفة، وقد مرت هذه الثورة بمراحل عديدة بعد استلامها للحكم في إيران عام 1979 حيث بدأ النظام بعملية اتصالات واسعة مع الأقليات المذهبية المتطابقة معه في الوطن العربي والعمل على التواصل معها ثم السيطرة العقائدية عليها وسحب المرجعيات من النجف وكربلاء وجبل عامل في لبنان إلى قم في إيران وذلك لتسهيل عملية السيطرة المركزية للأجندة الخاصة بتصدير الثورة.
في المقابل قام النظام الإيراني بتشكيل ما يسمى (الحرس الثوري) الذي يضاف إلى مهامه المسئولية الكاملة للامتداد الأفقي للأجندة الإيرانية، وكذلك إنشاء (قوات القدس) لتعمل كذراع تشغيلي فعال لهذا البرنامج خارج إيران وترتبط هذه القوات مباشرة مع نجاد مباشرة ولا تخضع للمساءلة الرسمية وبميزانية مفتوحة، ويعمل فيلق القدس بأسلوب المافيا السرية ويضاف إلى نشاطاته تجارة المخدرات والسلاح وتوزيعها لمناصريه ومستهدفيه أيضا وذلك من خلال أفغانستان وأمريكا اللاتينية وإفريقيا.
عملت هذه القوات على استقطاب وتنظيم وتسليح وزرع الخلايا النائمة في الدول العربية والغربية لتكون جاهزة للانطلاق لقلب الموازين والاستيلاء على مراكز القوى في الدول المستهدفة، وأصبحت كل القوى التابعة له عقائديا تعمل وفق شبكة هرمية ترتبط بمكتب بفرع الاستخبارات في الحرس الثوري الإيراني الذي استحدث أخيرا.
وفي هذه المرحلة بالذات التي تشهد إيران فيها ضغوطا داخلية من المعارضة والفشل الكبير في البرنامج النووي مع استمرار الضغوط العالمية على إنهاءه بالكامل وكذلك مع اقتراب قرارات المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بالحريري التي من المتوقع أن تدين المنظومة الإيرانية بفروعها.. تجد الحكومة الإيرانية نفسها بحاجة إلى انتهاز الفرصة وإعادة خربطة الأوراق والتسريع في السير لبروتوكولات (قم) ومن خلال اختراق الخليج العربي من خلال منطقتين ساخنتين الآن، إحداها تمسك بباب المندب هي اليمن والأخرى تشكل موقع متقدم في الخليج العربي وهي البحرين.
وبعيدا عن المبالغة فأن المتتبع لإعلام إيران الرسمي وأجندة الحرس الثوري يعلم بأن مواعيد المظاهرات التي تتم في ميدان اللؤلؤة بالبحرين يتم توقيتها وإعطاء الأوامر بإخراجها من هذا المكتب وهو نفس المكتب الذي نسق علمية اغتيال الحريري ويقوم كذلك بتنسيق تهريب السلاح إلى الحوثي وجماعته في اليمن وبواسطة الحرس الثوري وذراعه التشغيلي (فيلق القدس).
لذا ونحن ندرك عدم استقلالية القرار لقوى المعارضة في البحرين عن مكتب الاستخبارات في الحرس الثوري الإيراني فأنه علينا أن نتوقع إصرارا من المعارضة الشيعية البحرينية على تصعيد الفوضى والانتقال إلى مرحلة العصيان المدني وحتى لو قامت الحكومة البحرينية بتحقيق جميع المطالب التعجيزية لهذه المعارضة، كما لن يسمح هذا المكتب بأن تترك جماعة الحوثي هذه الفرصة دونما استغلالها بإشعال منطقة صعدة ووادي وايلة وضرب الوحدة الوطنية اليمنية مستغلة بذلك الانتفاضة الشعبية المطالبة بالإصلاح.
بالإضافة إلى ما سبق علينا الانتباه من تشتيت مبرمج وتخريبا ممنهج وتحركات مشبوهة لخلايا نائمة تابعة (للحرس الثوري) أو أحزاب مرتبطة ومدعومة من إيران في الوطن العربي للمساهمة في هذا السيناريو المطروح بقوة حيث من المتوقع أن تقوم بنوع من عمليات المساندة وتشتيت الساحات، في حين أن حزب الله في لبنان سيتكفل بتحركات ديكورية وحملات إعلامية لإعطاء سفراء الفوضى زخما تثويريا ودعما نفسيا باقتراب انتصار المشروع الإيراني، ومن يعرف الفكر الصفوي يتأكد أن المرحلة اللئيمة في بدايتها فقط وعلينا أن نبحث عن السلطان (سليم الأول).
جرير خلف