يزال الاردني مصمما على ان الحكومة مسؤولة عن ارتفاع الاسعار، وبنفس الوقت لا يزال يصر على انه خارج المعادلة الاقتصادية وغير معني بالتفاصيل، بعبارة اوضح لا شأن له في اسباب ارتفاع الاسعار ويتنكر لحقيقة انه المستهلك لما يستورده التجار من سلع بما في ذلك ما تستورده الحكومة من نفط وغاز وسلع استراتيجية أخرى, والاهم من ذلك النأي بنفسه عن حقيقة ان من ينتج السلع والبضائع هو من يملك حق التحكم في قيمتها وسعرها، وفي هذه الحالة يضع الاردني نفسه خارج المعادلة كليا لانه لا ينتج الا القليل القليل مما يستهلك بل ولا ينتج اطلاقا اي من السلع التي طرأ عليها الارتفاع او طالها رفع الدعم..!
لا احد يريد مناقشة اسباب تراجع قدرة الاردني على الشراء، فالأسهل القاء اللوم على الحكومات التي لا تبقي الدعم على السلع الاساسية حتى لو كلفها الامر اعلان الافلاس او التسول لتسهيل حياة الاردنيين الذين يشغلون في خدمتهم أكثر من مليون ونصف عامل وافد وزهاء ربع مليون خادمة وهؤلاء يحولون سنويا أكثر من مليار دينار اردني الى بلادهم من رصيد الاردن من العملة الصعبة..!
الذين يتذمرون من الاوضاع الاقتصادية ليس فقراء الاردن وانما اثرياءه وذوي الدخل العالي من كبار الموظفين في القطاعين العام والخاص، وهؤلاء لا يقضون اجازة عيد واحدة في بيوتهم او في الاردن عموما بل يسافرون للاستجمام في المصايف والمشاتي والمنتجعات ثم يعودون لممارسة التذمر كما يمارسون التدخين، وهؤلاء لا يركبون الا السيارات التي تستهلك كميات مهولة من الوقود ويسجلون اعلى قيم لفواتير الهاتف والكهرباء والماء ولذلك فمن الطبيعي الا تعجبهم الاوضاع الاقتصادية لانهم يعيشون فوق طاقة البلد وامكانياته وانتاجية المواطنين فيه، اما الفقراء فلا يعملون لانهم يعتقدون ان الاستراحة والجوع الصامت افضل من عمل لا يدر عليهم ما يكفي لشراء البيت والسيارة، فهذه هي الثقافة التي ترعرعوا عليها وهكذا اعتادوا العلاقة بينهم وبين الدولة، فالحكومات من يجب ان يبرر الفقر وارتفاعات الاسعار والبطالة وسوء الاوضاع، ولا يرى المواطن الاردني نفسه مسؤولا عن توافد العمالة العربية الى بلده وغيابه عن المهن التي تدر عائدات مجدية كالعمل في البناء مثلا حيث لا وجود للأيدي الاردنية في هذا المجال الا قليلا وفي مواقع الاشراف فقط، فلماذا تترك قطاعات كاملة للعمالة الوافدة، وبنفس الوقت لماذا لا تذهب الحكومات الى الخيار الذي طالما جرت مناقشته لجعل بعض القطاعات مغلقة للاردنيين دون غيرهم، فاليوم تتدنى الاجور رغم ارتفاع الاسعار والسبب تزايد العرض بالايدي العاملة، فاللاجئ السوري يعمل بربع راتب الاردني وبنصف راتب المصري شريطة ان يجد مأوى له ولعائلته، حتى ان التذمر من اغراق سوق العمل وصل الاشقاء المصريين الذين لم يعودوا من الايدي العاملة الرخيصة، ولذلك لجأوا الى استراتيجية جديدة لا يعرفها الشباب الاردني المتعطل وهي انهم (اي المصريين ) لم يعودوا يقبلون بوظيفة حارس عمارة مقابل اجر شهري محدود, بل ذهبوا الى العمل في المهن المربحة كالنجارة والحدادة والبناء وغيرها من المهن بينما الاردنيون متعطلون وينتظرون رحمة الدول ويكتفون بالتذمر وحرق السجائر ولوم الحكومات.