لا أدري اذا كان خطر في بال الدكتور معروف البخيت ، حين اشهر مشروعه الاصلاحي لتطوير حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية قبل نحو شهرين ، ان تتاح له الفرصة لتشكيل حكومة جديدة ، لكن ذلك حدث ، وبوسعنا الآن ان نفترض مسألتين: اولاهما ان فكرة "الاصلاح" كانت تشغل الرجل بعد خروجه من موقعه آنذاك كرئيس لحكومة أخطات وأصابت ، وتعرضت لعاصفة من التدخلات والنقد ، والفكرة - بالطبع - لا يختلف عليها احد ، فبلدنا منذ عشرين سنة على الاقل "مهموم" بالبحث عن الاصلاح ، وقد بدأ تجربته في ذلك ثم تراجعت وانتكست ، ومساهمة الدكتور البخيت هذه تأتي في سياق ما طرح من مبادرات للمطالبة بتحرير حياتنا السياسية من ركودها ، واعادتها الى سكة "السلامة" من جديد ، وهي مساهمة تستحق التقدير ، وربما القبول مع بعض الاضافات قبل شهرين ، اما الآن فانها تحتاج الى اعادة نظر.. أو ربما الى ما هو اوسع من ذلك.
أما المسألة الثانية فهي ان الدكتور البخيت انطلق في مشروعه من ضرورة تهيئة المناخ او البيئة العامة في الاردن كضمان وحيد للنجاح او الاستمرار ، وبالتالي فانه رفض مثلا ان يكون تغيير قانون الانتخاب مدخلا مناسبا للاصلاح السياسي ، كما انه تحفظ على ان يفرض التغيير نفسه علينا دون ان نكون مستعدين له ، واعتبر بأن التعامل مع الثنائية الاردنية الفلسطينية يشكل تحدياً ضاغطاً على السياسات حين تناقش موضوع الاصلاح ، وترك الاجابة عن هذه القضية لمن يتصدى لصياغة "استراتيجية التنمية السياسية" في بلدنا ، مقترحاً - من وجهة نظره - اطاراً زمنياً عاماً على مرحلتين: اولاهما مدتها عشرون عاماً لتطوير النظام السياسي والاجتماعي بصورة متدرجة ومتأنية والاخرى مدتها عشر سنوات 2030( - )2040 وهدفها الوصول لمستوى التداول السلمي للسلطة التنفيذية. ثم استدرك ليذكرنا بأن هذه المدة 30( سنة) غايتها الوصول الى الاهداف النهائية للمشروع ، كما انها مدة مقترحة وقابلة للنقاش والتعديل.
لا اريد ان ادخل في تفاصيل المشروع ، فقد كتبت عنها آنذاك في هذه الزاوية ، وهاتفني الدكتور البخيت وقتها ودار بيننا نقاش حولها ، لكنني اريد أن استأذن في تسجيل ملاحظتين فقط بدافع وحيد: وهو ان صاحب المشروع اصبح ، الآن ، رئيسا للحكومة ، وان ما ذكره قبل شهرين على سبيل "تقديم" الوصفات الفكرية من موقعه كخبير استراتيجي او مثقف سياسي قد اختلف الآن النظر اليه او التعامل معه ، على الاقل من زاويتين: احداهما شخصية تتعلق بموقع الرجل الآن على رأس السلطة التنفيذية ، والاخرى موضوعية تتعلق بمضامين المشروع وخياراته في ضوء الاحداث والمستجدات الداخلية والاقليمية والدولية التي نعرفها جميعاً.
اما الملاحظة الاخرى ، وهي متصلة بالملاحظة الاولى ، تتعلق "بالتوقيت" المقترح لانضاج المشروع واكتماله ، وبالادوات التي يمكن ان تستخدم في انجازه ، فكتاب التكليف السامي يؤكد - مثلا - تحقيق اصلاح حقيقي في اسرع وقت ، وعلى انجاز منظومة تشريعات سياسية في مقدمتها قانون الانتخاب.. الخ ، وهنا فانني اقترح ان اعادة النظر في مسألة "المدة" لتكون ثلاث سنوات بدل(30) سنة ، واعتقد انها مناسبة اذا ما أعيد تحرير المشروع الاصلاحي الذي قدمه الدكتور البخيت في مناخات "الاسترخاء" السياسي قبل شهرين ، كما اقترح ان ينطلق تنفيذ المشروع الآن من "انشاء" حكومة سياسية تعمل وفق الدستور ولا تمتلك أي حصانة وتخضع للمراقبة والمحاسبة وتمتلك من السلطات ما يكفي: لاداء مهامها التنفيذية وما لا يكفي للهيمنة على السلطات الاخرى او على مؤسسات المجتمع المدني وتتسلح ببرامج سياسية ولا تحتمي خلف رأس الدولة.
هذا بالنص ما ذكره د. البخيت عن الحكومة السياسية التي يدعو اليها ، واعتقد ان امتحانه الاول هو في تنفيذ هذه الفكرة.. فهل يفعل ذلك؟. دعونا ننتظر.
حكومة سياسية.. هل يفعلها الدكتور البخيت؟
أخبار البلد -