الكرك ترقب خبراً وتنتظر الخماسيني!
الكرك حاضرة التاريخ ولها نكهة خاصة في الجغرافيا ذلك أن بوابة القدس وتوأم الخليل الكرك...تاريخها برجالاتها الأوائل ووعي أبنائها وبناتها وحَمْل الهم العام والشعور الوطني العروبي المتمرد على جغرافيا الوطن، والإسلامي والاممي المُتَمَرديّن على حدود بلاد العُرب أوطاني.... يقول عنها جدنا دليوان المجالي: (إمّطّقعة السايس) أي لا يسوسها سايس، فلا يتكهن بثورتها أحد، ففي هدوءها ثورة تغلي، (تحت ريغتها جمر) وتحت رمادها نار، وفي سكونها احتجاج...تبكي حرائرها إذا ما أصاب بغدادٌ خطب، وحينما تتوجع غزة تأن لها الكرك، وتفزع ولا تجزع حينما يحيق الظلم بأهل المغرب العربي وتُنشد على ألحان الدف والربابة: وعقدنا العزم فلتحيا الجزائر....تنتصب على هضاب الشراة مُطلةٌ ومُحَدِقةٌ نحو الغرب، نحو فلسطين كشيخ يرقب عودة فلذة كبده من السفر وقد مل الانتظار، هي الكرك تماماً كما الشيخ أعياه الهرم وضَعْف البصر وطول انتظار الصغير الذي أرسله ليرتع ويلعب مع أخوته ولكنهم عادوا من زمان وخابت العُصبةِ ولم يعد معهم.... فكأنما أرسلت قلبها وروحها معهم ولكنهم اجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب حينما أوحى الرب: لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون ....هي الكرك حينما جاءها ولديها شيخ السلام وصاحب الفوز بعد التريث والتدلل بوادِ السيسبان عشاءً يبكيان، فلقد تركا الطفل الجميل عند متاعِهما فأكله الذئب وهما يستبقان، فاحتارت الكرك بأمر القميص والدم الكذب وقالت : (بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبراً جميلاً وبالله المستعان على ما تصفون) ....هي الكرك كيعقوب الكظيم يأسف على فقد يوسف، وابيضت عيناها حَزَناً على فلسطين ولم تفتأ تذكرها حتى تكون حَرضاً أو تكون من الهالكين.
...هيً الكرك كيعقوب يُحدثه فؤاده بعودة يوسف وتتوق للقاء السيارة والركبان علها تسمع خبراً من القاهرة، وكلما تأخرت البشارةُ من مِصر ازداد وجعها في الخاصرة، حاضرةٌ في خاصرة الصحراء ترقب القادمين من دمشق، وتودع الذاهبين إليها بأن بلغوها من وجع شيحان التحية، وأن عدتم مروراً بها فلا تبخلوا من أن تردوا إليها من الشام السلام ...هي الكرك حينما حسرها بحرها عن كل فلسطين قالت: يا بحر! موت بغيضك، فمات منذ ذاك الزمان، ويا مدائن الظالمين ويا وادي اللوطيين كُتب على الصالحين إذا مروا بكم فمهرولين.
هي الكرك لمجرد مرورك بها أو حتى أحد أجدادك مرور الكرام، تمنحك جنسيتها بدون طوابع وبلا أوراق أو أختام... كل المسافرين على الطريق الصحراوي، ومن قبل على سكة حديد الخط الحجازي، صاروا كركيه لمجرد مرورهم من الكرك وحجاج القدس- بيت المقدس- وضيوف الرحمن يُبلغون عمر بن الخطاب السلام، فلقد مروا بالكرك والقوا على مؤتة التحية وصاروا من أهل المزار ولمجرد أنهم لها زوار وقرأوا الفاتحة على قبر ذي الجناحين جعفر الطيار وزيد وعبدالله بن رواحة وتابعوا المشوار، فلقد أُضيفت أسماءهم إلى سِجل الخالدين والثوار، وحملوا معهم تحيات الكرك وللرسول منها الصلاة والسلام.... هي الكرك فاخلع نعليك فيها فلا يجوز المشي فيها منتعلاً حذائك إلا إذا تقلدت سلاحك وحاربت الشيطان والظلم والطغيان وحينها فللضرورة أحكام، وبالأمس خرجت يد موسى فيها بيضاء لا شية فيها مُعلنةً أن لا تسكت على فسادٍ الكرك، وفي الكرك وقع موسى في الهوى وما ظل وما غوا حينما جائته في مدين كركية غيداء فرعاء تمشي على استحياء كما يمشي الوجي الوحل فامهرها عشر سنين من عمره كانت أحلى سنين العمر وحينما كلم موسى ربه!.... ومن الكرك أصطحب موسى زوجه وعصاه ليُحطم بها الطغيان وعرش فرعون وهامان الجبان، وبالأمس توكأ عليها في شعاب الكرك وهشَ بها على غنمه...هي الكرك كم أوقد موسى ناراً في أوديتها وهضابها وشويهاته ترعى وتسرح برفقته؟ وكم شرب الحليب مع الزعتر بلا سكر- المغلي على نار الوسبى والعرعر؟ . هي الكرك وكما يعتقد أهلها أن نوحاً أناخ سفينته بجانبها لما الحمامة أتته بغصن الزيتون مُعلنةً أن الطوفان عند الكرك ينحسر!....عاش فيها نوح دهراً طويلاً مُشرعاً بيته ومُكرماً ضيفه ولما أسلم الروح دُفن في نفس الموقع حيث يُدفن فيما بعد فلاح المدادحة ودليوان المجالي ودرويش القطاونه وأبراهيم الحباشنه و..... فصار الزائر يوم العيد يقرأ فاتحة الكتاب ويدعو لهم بالرحمة ويبكي على الرجال الرجال وغيرهم من أبناء الكرك الذين أسلموا الأرواح لبارئها ومضوا إلى غير رجعة ويأس البائس من انتظار عودتهم!.... ويعود الزائر ليُردد مقولة أهل الكرك: (نوح وانحى) ليطلب شفاعة نوح عند ربه من أمر جلل يخاف أن يُصيبه وأهله، فيقيه القول بائقة الزمان ويذهب. ... هي الكرك ألسفينة ذات الدُسر حينما يحيق في الأمة الخطر، ماءها عين هاجر وتجنباً لغيرة زوجة أبيهم وإكراما له أسموها سارة.... فسارة هي الضرة المُرة والمدللة وكم يكيد لنا أحفادها؟ فبالأمس كادوا ليوسف وباعوه للسيارة بثمن بخس. والى الكرك جاء الخضر فبعد أن لقي موسى على شاطئ البحر فتعلم منه موسى الكثير ولكن موسى أسر للخضر عليه السلام أن يذهب إلى الكرك موطن الطيب والمرجله (وعز النسايب) ويبلغها وأهلها السلام، فأتى إلى الكرك وعاش بين أهلها كواحدٍ منهم فاختلف أهل الكرك على جواب سؤال مُحير : هل هو من (الشراقى) أو من (الغرابا)؟ فجاء الاتفاق على انه كركي وأعطوه قسمةً معهم وأسموها شارع الخضر يمرونه كل يوم ويستغفرون ربهم عند مقامه، ولا أقول قبره لان هنالك من يعتقد أن الخضر ما زال حياً يُرزق وقد يكون متخفيا ويلبس ( شماغ وفوتيك وجاكيت رسمي من الباله ويحتزم على خصره بشبرية) وربما يكون واحداً منهم يكتوي من لهيب الأسعار ويعشق السياسة وينتظر النصر بفارغ الصبر ولكنه لا يُعلن عن نفسه تواضعاً منه وخوفاً من أن يختلف أهل الكرك إلى أي عشيرةٍ يتبع؟. هي الكرك الكثير من بعض ما فيها لم أورده لعجلةٍ من أمري فالكرك تُشَنِفُ كالشيخ الضرير اذنيها وانفها إلى الغرب تارةً لعلها تتحسس من فلسطين بشارة، والى الغرب الجنوبي تارةً أُخرى فلعل العير قد فصلت، فهي ترقب من مصر خبراً وتنتظر الرياح الخماسيني لتأتي لها بنشيد : والله زمان يا سلاحي ---- اشتقت لك في كفاحي،. هموا وضموا الصفوف ---- وانطق وقول انا صاحي --- شيلوا الحياة على الكفوف،......واجمعي يا مصر أزهار الأماني.
د.م حكمت القطاونه tel: 0795482538 hekmatqat@yahoo.com