في حلقة نقاشية عقدها مركز بصر لدراسات المجتمع المدني
العناني يطالب برفع سعر الدينار وعدم زيادة معدل الفائدة
طالب الخبير الاقتصادي الدكتور جواد العناني برفع سعر صرف الدينار وعدم زيادة معدل الفائدة مؤكداً أن ثقة المواطن في الاقتصاد الأردني سوف تتعزز وبالتالي تتوسع الاستثمارات المحلية وتشجع قدوم الاستثمارات الخارجية. وإذا ما اتخذت الحكومة قراراً برفع سعر صرف الدينار الأردني مقابل الدولار بثلاث نقاط بحيث يصبح الدولار يعادل 68 قرشاً، وبشرط ألا يتزامن ذلك مع رفع أسعار الفائدة، كون هنالك بالأصل فرقاً كبيراً بين سعر الإيداع وسعر الاقتراض.
جاء ذلك في الجلسة النقاشية المغلقة التي نظمها مركز بصر لدراسات المجتمع المدني الأربعاء الماضي بمقره، وكانت بعنوان "حقيقة الأزمة الاقتصادية الأردنية وبدائل معالجتها"، وهي باكورة أنشطة "حوار الأربعاء" الذي أطلقه المركز. وأدار الحلقة أمين عام حزب الرسالة الدكتور حازم قشوع.
وحلل الدكتور العناني خلال الحلقة النقاشية أسواق الاقتصاد الأردني الرئيسية الثلاثة وهي سوق السلع والخدمات، وسوق العمل، والسوق النقدية. حيث أوضح ان هناك فائضاً نقدياً من ودائع البنوك لدى البنك المركزي غير المستغل وغير المستثمر، والذي بلغ في نهاية شهر كانون الأول الماضي اكثر من 4 مليار دنيار، مشيراً ان هذا الفائض هو فائض تضخمي، اذا ما تحسنت الأسواق.
وفميا يتعلق بسوق العمل قال العناني اذا أخذنا الأرقام الرسمية لنسب البطالة، والبالغة 12,5%، وكون ثلثي البطالة تتركز في فئة الشباب، فهذا يعني ان 24% من الشباب هم عاطلون عن العمل، مؤكداً ان لذلك كلفة اجتماعية عالية جداً. وأشار العناني الى ان البطالة لم تعد مرتبطة بالنوع الاجتماعي، اذ انها باتت مرتفعة بين الإناث كما هي مرتفعة بين الذكور، وأن المشكلة تكمن في طول فترة البحث عن الوظيفة، والتي تخلق حالة من القلق والأرق لدى الأسر التي تعاني من بطالة شبابها وبناتها. وهنا طرح العناني تساؤلاً حول كيف يستطيع الاقتصاد توفير حوالي 600 ألف فرصة عمل لغير الأردنيين، في حين أنه غير قادر على توفير 150 ألف فرصة عمل للأردنيين؟!
وبخصوص سوق السلع والخدمات، أوضح العناني ان نقص القدرة الشرائية لدى المواطنين أدى الى الاستغناء عن السلع الرفاهية والكمالية والسلع طويلة الأمد، مما خلق فائضاً في السلع. وقال ان عدم استقرار الدخل الأسري يؤدي الى استغناء المواطن عن الشراء بالتقسيط، نظراً لعدم ضمان ثبات القدرة على التسديد.
وأشار العناني الى ان المواطن بدأ في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام 2010 يشعر بثقل الأسعار بشكل يومي من خلال ارتفاع أسعار حتى السلع الأساسية اليومية، موضحاً ان المعدل السنوي لارتفاع الأسعار وصل الى 14%، في حين كان 3,5% في الأشهر الأربعة الأولى من العام الماضي.
وحول العلاوة الأخيرة التي ستصرف على رواتب الموظفين والمتقاعدين، نبه العناني الى ضرورة عدم الانخداع بما يسمى "وهم النقد". فالزيادة في الدخول البالغة 20 ديناراً سوف تنعكس مباشرة على زيادة في اسعار السلع والخدمات، وبالتالي لن يشعر المواطن بزيادة حقيقية في دخله بعد شهر او شهرين حين تتناقص القدرة الشرائية لتلك الزيادة.
وحول العجز الخارجي تحدث العناني عن ان العجز الخارجي في الميزان الحسابي الأساسي قد بدأ مؤخراً بالتراجع، اذ بلغ 3,4 مليار دينار حتى أيلول 2010، في حين كان 4,5 مليار في عام 2009، وقبل ذلك وصل الى 5 مليار في عام 2008. الا انه حذر من انه في حال ارتفعت أسعار النفط الى 100 دولار للبرميل الواحد، فإن العجز الخارجي سوف يفوق معدلاته التي وصلها في عام 2008، كون العجز الخارجي مرتبط بحالة الركود الاقتصادي.
وحدد الدكتور العناني اهم التحديات التي يواجهها الاقتصاد الأردني والتي تتمثل في التوسع في فرص الاستثمار وخلق فرص العمل. وطرح مجموعة من البدائل والسياسات التي يمكن ان تساهم في معالجة الأزمة الاقتصادية في الأردن، وخاصة فيما يتعلق بتشجيع الإستثمار.
وفي هذا الإطار شدد العناني على ضرورة التركيز على المناخ الاستثماري في الأردن وإعطاؤه الأولوية القصوى في التخطيط، وعلى ضرورة مراجعة آليات الاستثمار المعمول بها، قائلاً اننا لا نستطيع تحقيق أي توازن في الاقتصاد من دون توسيع الاستثمار. وعليه، فينبغي أولاً دراسة فرص الاستثمار الخلاقة، منوهاً الى اهمية إجراء رفع على سعر صرف الدينار مقابل الدولار، وذلك لكسب ثقة المواطن بالدينار الأردني وبالتالي حفز الثقة بالاستثمار.
وقلل العناني من فرضية التركيز على تشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة حصراً، وقال ان هذه المشاريع وحدها لا تكفي، كونها بحاجة الى بنى تحتية لتقوية هذه المشاريع وللربط بينها حتى تصبح قادرة على امتصاص البطالة والانتاجية والفقر التي يعانيها الاقتصاد الأردني. كما ان الشباب القائمين على هذه المشاريع الصغيرة بحاجة الى تدريب لرفع خبراتهم وكفاءاتهم الإدارية والتسويقية، مضيفاً ان البديل يكمن في تشجيع تجمعات الأعمال (Business Clusters).
ونوّه الى ضرورة ايلاء الأهمية الى الاستثمار في المشروعات الكبيرة وإعطائها الأولوية، وخصوصاً في ثلاثة قطاعات، هي: المياه، والطاقة، والنقل. فهذه المشاريع الكبرى هي الأقدر على امتصاص البطالة، وهي التي تؤثر على الانتاج الصناعي والانتاج الزراعي، وبالتالي التي تترك آثاراً على كلفة معيشة المواطنين.
وحذر العناني من استمرار هجرة الكفاءات الأردنية الى الخارج وقال اننا بتنا نخسر الكفاءات الأردنية بشكل متسارع الى الخارج. موضحاً انه في السابق، كان الأردن يتمتع بميزة واضحة في قطاعين اثنين، هما قطاعا السياحة التعليمية، والسياحة الصحية. حيث كانت توجد مستشفيات ذات مستوى عال تقدم خدمات علاجية رفيعة المستوى، كما كان التعليم في الجامعات الأردنية متميزاً. اما الآن فإن السعودية بدأت تستقطب المرضى للعلاج في مستشفياتها، كما بدأت الإمارات وقطر تؤسس جامعات متميزة تفوق مستوى الجامعات الأردنية. وهكذا، فإن القطاعين بما فيهما مواردهما وكوادرهما، معرضان لأزمة حقيقية مستقبلاً اذا ما خسر الأردن تنافسيته فيهما.
وأكد العناني ان المشاكل والتحديات الاقتصادية لا تحل بالنظرة الجزئية حصراً، بل ينبغي تناولها بصورة شاملة وتكاملية وللموضوعات الاقتصادية كافة، من خلال تقييم الوضع السياسي الأعم والأشمل والأوسع. والسؤال المهم في هذا السياق يدور حول مدى قدرة الحكومة الحالية على مواجهة المشاكل الاقتصادية الراهنة؟ وقال انه لا توجد حالياً جسور ثقة كافية بين الحكومة وبين المواطنين المتأثرين بقرارات الحكومة، فمن الضروري ان يكون هناك تجاوب مع قرارات الحكومة ونظرة متفائلة ومرتاحة لعمل الحكومة. وعليه، فإذا ظلت الحكومة تسير بنفس المنهاج الحالي، فهي قد لا تنجح كونها ستبقى تحت الضغوطات المستمرة عليها. موضحاً ان المشكلة الحقيقية تكمن في ان توقعات المواطنين من الحكومة انها غير قادرة على حل المشاكل الاقتصادية، وهذه النظرة السلبية تضع تحدياً هاماً أمام الحكومة. فالمزاج العام أصبح تغييرياً اكثر من الأول، متأثراً في ذلك بالأحداث الإقليمية الدائرة في المنطقة وبالأحداث الأخيرة في تونس.
وجرى خلال الجلسة التي حضرها نخبة من الخبراء الاقتصاديين مناقشات تركزت على الأزمة الاقتصادية الراهنة التي يمر بها الأردن، وطرح المشاركون آراء وأفكاراً فيما يتعلق بسبل حل هذه الأزمة.
يذكر ان مركز بصر لدراسات المجتمع المدني تأسس في نهاية عام 2010 وهو مختص بإجراء الدراسات والأبحاث العلمية حول قضايا المجتمع المدني والحاكمية. كما يوفر المركز البرامج التدريبية لبناء قدرات قادة ونشطاء المجتمع المدني، وفي هذا الإطار أيضاً يقدم المركز الاستشارات الفنية المتخصصة في موضوع حاكمية الشركات والمسؤولية الاجتماعية.