أثارت التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء الدكتور عبد الله النسور حول نية حكومته البدء بإجراءات تعديل قانون الانتخاب جملة من التساؤلات الخاصة بجدوى إعادة النقاش حول تشكيل مجلس النواب والنظام الانتخابي المتبع وذلك في هذه الفترة الزمنية التي تعد حرجة بامتياز. فالظروف التي تحيط بالدولة الأردنية غير مسبوقة واستثنائية على الأصعدة كافة. فعلى صعيد العلاقة بين مجلس النواب والحكومة فإنها تمتاز بالتوتر الشديد، وهذا ما يظهر جليا في تصرفات العديد من السادة النواب الذين يحاولون جاهدين إحراج الحكومة تمهيدا للإيقاع بها وإجبارها على الاستقالة. فجاءت المشاكسات النيابية بصور مختلفة آخرها التصويت على قرار طرد السفير الإسرائيلي واستدعاء السفير الأردني من تل أبيب، وما رافق ذلك القرار من تهافت السادة النواب على توقيع مذكرة إعادة طرح الثقة بالحكومة التي لم تصمد أكثر من أيام معدودات ليتراجع بعدها معظم السادة النواب ويسحبوا تواقيعهم عليها. وقد بلغ التوتر ذروته داخل المجلس النيابي وتحديدا بين صفوف النواب المناصرين لرئيس الوزراء النسور وأولئك المعارضين له، فنشبت الخلافات والمشاجرات بين الفريقين لذلك السبب و استخدم فيها أشكال القتال وفنونه كافة.
ولا يقتصر نطاق الظروف الاستثنائية التي تلف المشهد الأردني على العلاقة بين النواب والحكومة، بل ان الحكومة نفسها تمتاز بالفوضى العارمة وانعدام الاستقرار الوزاري. فالوزراء الحاليين ومنذ أدائهم اليمين الدستورية أمام جلالة الملك ولم يهدأ لهم بال بسبب التصريحات النارية التي يطلقها رئيس الوزراء بأنه ينوي إجراء تعديل موسع على حكومته يلغي عنها صفة الرشاقة لصالح إعادة الدسم إليها. فالتعديل الوزاري قادم لا محالة، والوزراة الأكثر ارتباطا بقانون الانتخاب، وهي وزارة التنمية السياسية والشؤون البرلمانية، لا تزال بانتظار تعيين وزير مستقل لها يكون جل اهتمامه منصبا على تعديل القانون من دون أن ينازعه في ذلك الأمر مهام ومسؤوليات وزارية أخرى. كما تواجه الحكومة عواصف هوجاء على أصعدة مختلفة أهمها العنف الاجتماعي الذي يضرب المدن والقرى الأردنية من شمالها لجنوبها، والأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها الاقتصاد الأردني وتضع النسور تحت وطأة الإملاءات الخارجية للجهات المانحة التي تطلب رفع أسعار الكهرباء بنسب عالية في أقرب وقت ممكن، ناهيك عن تداعيات الهجرة القسرية للاجئين السوريين والمرشحة للتفاقم خلال الأشهر القليلة المقبلة ومن شأنها زيادة الضغط على أجهزة الدولة ومؤسساتها. وفي ظل هذه الظروف تأتي دعوة رئيس الوزراء إلى مراجعة قانون الانتخاب لتزيد الأمور سوءا وتضاعف من حالة الضبابية السياسية والدستورية التي تلف المشهد العام الأردني. فالكل يعي الجهود الجبارة التي بذلتها الدولة الأردنية والصعوبات الجمة التي واجهتها للاتفاق على صيغة مشتركة وتوافقية لقانون الانتخاب في الظروف العادية التي لم يكتب لها النجاح، فكيف ستكون الحالة في هذه الظروف الصعبة التي تمتاز بغياب أبسط مقومات الحوار الوطني مع مختلف أطياف المجتمع المحلي من حزبيين وسياسيين وقانونيين ومؤسسات مجتمع مدني لمناقشة البدائل والحلول. كما أن ازدحام العمل التشريعي داخل مجلس النواب، الذي ليس بالضرورة أن يكون وفقا لأولوية تشريعية واضحة، سيجعل من إضافة بند تعديل قانون الانتخاب على جدول أعمال المجلس على حساب القوانين الشعبية الأخرى التي يحاول مجلس النواب إخراجها إلى حيز الوجود كقانون المالكين والمستأجرين وقانون الضمان الاجتماعي. كما سيمتد أثر البدء بتعديل قانون الانتخاب في هذه الفترة الى الأعمال البرلمانية الأخرى التي تعد استحقاقات ملكية على السادة النواب متمثلة في إقرار نظام داخلي جديد لمجلس النواب ومدونة سلوك خاصة بأعضائه. ومن المخاطر الأخرى التي تواجه تعديل قانون الانتخاب في خضم المرحلة الحالية، أنه لو قدر لمجلس النواب أن يقر صيغة توافقية لقانون انتخاب عصري يلبي إلى حد كبير طموحات وتطلعات القوى السياسية والحزبية الأردنية فإن ذلك سيكون بمثابة الشرارة لانطلاق حملة شعبية واسعة نحو حل مجلس النواب الحالي وإجراء انتخابات نيابية جديدة وفقا لقانون الانتخاب الجديد. وفي حال حدوث مثل هذا السيناريو، فإن مطلب الحل سيكون له مبرراته التي لا يمكن التنكر لها أو الالتفات عنها والتي أهمها أن مجلس النواب الحالي لا يمثل الإرادة الحقيقية للشعب الأردني، وهو الأمر المثبت من خلال نسب المشاركة المتدنية في الانتخابات التشريعية الأخيرة. وتبقى المعضلة الأساسية التي ستواجه أية محاولة حكومية لتعديل قانون الانتخاب تتمثل في تحديد ماهية تلك التعديلات الواجب إدراجها في صلب القانون وطبيعتها. فقد أشارت التقارير الرسمية وغير الرسمية كافة التي رافقت إجراء الانتخابات الأخيرة لعام 2013 إلى مكامن الخلل والضعف في قانون الانتخاب الحالي، إلا أن المعضلة الأساسية تبقى في الاتفاق على نظام انتخابي جديد يحل محل نظام الصوت الواحد المجزوء. فقد باءت جميع المحاولات السابقة لاقتراح أنظمة انتخابية جديدة بالفشل وفي مقدمتها مخرجات لجنة الحوار الوطني التي ذهبت توصياتها أدراج الرياح. ويخطئ من يعتقد أنه من السهولة بمكان استبدال نظام القائمة الوطنية المغلقة، التي ثبت فشلها في الانتخابات الأخيرة، بأخرى مفتوحة يقتصر حق الترشح من خلالها على الأحزاب السياسية بسبب الصعوبات الدستورية التي تحيط إقرار مثل هذا الاقتراح والتي قد تصل مرحلة الاستحالة. فقد سبق أن أفتى المجلس العالي لتفسير الدستور في قراره رقم (7) لسنة 2012 أن اشتراط الانتساب إلى حزب سياسي للترشح ضمن قائمة وطنية هو شرط غير جائز دستوريا لأن مؤداه حرمان غير المنتسبين للأحزاب السياسية من تشكيل قوائم أو المشاركة فيها. كما اعتبر المجلس العالي أن ذلك الشرط الخاص يتعارض مع شروط العضوية في مجلس النواب الواردة في المادة (75) من الدستور والتي لا تتضمن شرط الانتساب لحزب سياسي معين. فمثل هذا القرار التفسيري سيقف حجر عثرة في طريق أية محاولات حكومية نحو تعديل قانون الانتخاب وتحقيق انتصار شعبي وسياسي يعيد الثقة بالحكومة الحالية التي تمر بأيام عصيبة. إن الحكمة والموعظة السياسية تقضي أن تتخلى الحكومة عن فكرة تعديل قانون الانتخاب في هذه الفترة وأن تركز جهودها على إدارة رحى معركة العجز المالي التي تخوضها، وأن تجتاز هذه المرحلة الحرجة وما سيرافقها من قرارات اقتصادية غير شعبية أهمها قرار رفع أسعار الكهرباء وذلك بدلا من أن تفتح خط مواجهة جديد مع مجلس النواب والحراك الشعبي من خلال البدء بتعديل قانون الانتخاب. فهذا القانون رغم أهميته في الإصلاح السياسي المنشود، إلا أن الأفضل للحكومة أن تقوم بركنه جانبا في الفترة الحالية حتى يتحقق الاستقرار الحكومي وتعود المياه إلى مجاريها في علاقة الحكومة بمجلس النواب. |
||
الوقت غير مناسب لتعديل قانون الانتخاب !!!
أخبار البلد -