خالد أبو الخير يكتب...
قد يبدو الحديث عن الأخلاق في هذا الوقت الذي تطغى به قيم السوق وثقافات "التيك أويه" وشجارات الجامعات، ضرباً من التحليق فوق الواقع، وقد يظن نفر أنه مجرد إعادة ملء كأس مملوءة أصلا.. بيد أن "الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن ذهبت هم ذهبوا"، كما قال حافظ ابراهيم.
دون الأخلاق لا يمكن أن يقوم عدل ولا مساواة، ولا يكون بناء ومجتمع وحضارة.
خاطب سبحانه وتعالى نبيه الكريم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم في الاية الكريمة: بقوله: (وَإِنّكَ لَعَلَىَ خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم 4]. وورد في الحديث الشريف "انما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق"، والنبي عليه اكرم الصلاة وأتم التسليم هو القائل (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً)، فالمسلم لن يكون كامل الايمان إلا إذا حسن خلقه.
والخلق: هو السجيةُ والطبع، وهو برأي علماء صورةُ الإنسان الباطنة، أي انها حال للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال من خير أو شر من غير حاجة إلى فكر وروية.
ومن الاخلاق ما هي طبع ومنها ما هو متطبع، اي مكتسب، كما في الحديث النبوي عن حامل المسك ونافخ الكير:
(إِنَّمَا مَثَلُ الجليس الصالحُ والجليسُ السوءِ كحامِلِ المسك، ونافخِ الكِيْرِ فحاملُ المسك: إِما أن يُحْذِيَكَ، وإِما أن تبتاع منه، وإِمَّا أن تجِدَ منه ريحا طيِّبة، ونافخُ الكير: إِما أن يَحرقَ ثِيَابَكَ، وإِما أن تجد منه ريحا خبيثَة) [أخرجه البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري].
ومن كان على خلق، يتحلى بمكارم الأخلاق ومعالي الصفات ويترك سفيهها ورديئها.
أخلاق النبي
يروى عن الرسول الكريم انه كان شجاعاً، لطيفاً، رحيماً، فلم يكن فاحشاً ولا متفحشا ولا صخاباً في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح.
عن أنس رضي الله عنه قال: "خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، والله ما قال أف قط، ولا قال لشيء لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا" رواه الشيخان وأبو داود و الترمذي.
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خادما له ولا امرأة ولا ضرب بيده شيئا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله.
وكان من خلقه صلى الله عليه وسلم في معاملة الصبيان إنه كان إذا مر بالصبيان سلم عليهم وهم صغار وكان يحمل ابنته أمامة وكان يحمل ابنة ابنته أمامة بنت زينب بنت محمد صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالناس وكان ينزل من الخطبة ليحمل الحسن والحسين ويضعهما بين يديه، كما كان صلى الله عليه وسلم يسمع بكاء الصبي فيسرع في الصلاة مخافة أن تفتتن أمه. ومن أخلاق النبي والخلفاء الراشدين والائمة الكثير الكثير مما لا يتسع لسرده هذا المقام.
العرب في الجاهلية
عرف العرب الجاهليون الكثير من الصفات الحميدة مثل السخاء والكرم والنجدة وإغاثة الملهوف وصون الجار، وخلدوا مواقفهم تلك وأخلاقهم في شعرهم. كقول الخنساء ترثي أخاها صخراً:
وإن صخرا لتأتم الهداة به
كأنه علم في رأسه نار
لم تره جارة يمشي بساحتها
حين يخلي بيته الجار
طلق اليدين بفعل الخير معتمد
ضخم الدسيعة بالخيرات امار
وهذا عبيد بن الأبرص، يرد معاتبة خليله مستغفرا الله ويشهده انه لم يرم جارة له او شيئا لا يملكه، ولو بنظرة:
يا صاح مهلا أقل العذل يا صاح
ولا تكونن لي باللائم اللاحي
حلفت بالله ان الله ذو نعم
لمن يشاء وذو عفو وتصفاح
ما الطرف مني الى ما لست املكه
مما بدا لي بباغي اللحظ طماح
ولعنترة شعر جمبل:
لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب
ولا ينال العلى من طبعه الغضب.
وللسموءل بن عادياء، وهو يهودي جاهلي، قصيدته الشهيرة التي قالها في قصة وفائه حين حفظ امانة امرئ القيس الذي ترك في عهدته امرأته وأدرعه وماله، ورفض السموءل تسليمها لعدوه ملك كندة، فهاجمه على راس جيش جرار وأسر ابنه، وحذره إن لم يدفع لهم دروع امرئ القيس فإنه سيقتل ابنه.
كانت لحظة اختيار صعبة: أيضُحي بابنه أم يضحي بكلمته؟ لكن السموءل حسم أمره وقال: "ما كنت أخون عهدي وأبطل وفائي فاصنع ما شئت".
وذُبِح ابن السموءل وأبوه ينظر إليه من أعلى الحصن، وعاد ملك كندة خائبًا. ثم أعطى السموءل الأدرع لورثة امرئ القيس، وقيل فيه المثل "أوفى من السموءل".. ومن قصيدته:
تعيرنا انا قليل عديدنا
فقلت لها ان الكرام قليل
وما ضرنا انا قليل وجارنا
عزيز وجار الأكثرين ذليل
الحضارات الرافدية
عرف سكان بلاد الرافدين القدامى الأخلاق وطوروها، وعمدوا الى سن الشرائع لتكون حارسة لها، فبعد تكون ممالك المدن في سومر، ظهر المصلح اوركوجينا ملك مدينة لكش حوالي 2380-2360 ق.م الذي اشتهر بمحاربة الفساد ونصرة الضعيف والفقير في مجتمع طغى فيه الكهنة والنبلاء.
ومن إصلاحاته التي صاغها قانون يكاد يكون الاول في التاريخ البشري وهو منع زواج النساء بأكثر من رجل، وفرض على الأغنياء استعمال الفضّة عند شرائها من الفقراء، "وإذا لم يرغب الفقير في البيع، فإنّ الرجل القوي "الغني أو الكاهن" لا يمكنه إجباره على ذلك". كما تضمنت قوانينه مقولته: "لم يعد الأرامل والأيتام تحت رحمّة الأقوياء".
تبع اوركوجينا الملك الشهير حمورابي، سادس ملوك مملكة بابل القديمة الذي وضع شريعته الشهيرة عام 1790 قبل الميلاد، وهي بذلك تعد أقدم الشرائع في التاريخ.
ومن أبرز ما جاء فيها: "إذا سرق سيد ثوراً أو شاة أو حماراً أو خنزيراً أو قارباً، إذا كان (المسروق) يعود للمعبد أو للقصر، فعليه أن يعطي 30 مثلاً. أما إذا كان يعود إلى مسكين، فعليه أن يدفع 10 أمثال كاملة، وإذا لم يكن لدى السارق ما يعوّض به فإنه يعدم". و"إذا ضرب ولد والده فعليهم أن يقطعوا يده". وغير ذلك من شرائع تحض على إنصاف المواطنين وتضع حلا للعديد من المعضلات والمشاكل التي تعترض حياتهم وحراكهم الاجتماعي.
الفراعنة
احتوت البرديات الفرعونية نصوصا تحض على الاخلاق الحميدة، والأحسان إلى الفقراء والتفكير والتأمل في هذه الحياة.
ومن النصوص الفرعونية تلك التي تعدد صفات الميت، فيثنى على مهنته الإدارية الجيدة وعنايته الأبوية بمن في عهدته. كما ان منها نصوصاً توصي بتجنب المحرمات واحترام الحرمات والجار.
ومن أخلاق الموظفين العمومين في مصر الفرعونية ما ورد في احدى البرديات من نصائح: "راقب يدك، وأكبح جماح قلبك، وصم شفتيك". كما اوجبت النصوص على القاضي ان يحمي الضعيف من ظلم الغني والقوي، كما يجب على النبيل أن يعطي الخبز للجياع.
سقراط
من اثينا القديمة اخترت قصة الفيلسوف سقراط في حواره مع تلميذه كيسينيفون الذي صار فيلسوفا فيما بعد. وهي حوارية جديرة بالتأمل.
للتوطئة لها أقول إن سقراط كان يستخدم مع تلاميذه منهجا حواريا خاليا من السخرية، على العكس من المنهج الذي كان يستخدمه مع السفسطائيين. وكان يتدرج مع تلاميذه ومريديه من المحسوس الى المعقول ومن المادي الى المجرد ومن الجزئي الى الكلي ومن صغار الامور الى كبارها ليهديهم بالإقناع الى معرفة انفسهم ثم الى طلب المعرفة العامة التي تنتهي الى معرفة الفضيلة ثم معرفة الخير والجمال.
سأل سقراط كيسينيفون: هل تعرف مصدر الفضائل الكبرى؟
كسينيفون: لا
سقراط: هل تعرف اين يباع الفول؟
كسينيفون: يباع الفول في سوق الحبوب.
• هل تعرف أين تباع الاقمشة؟
-تباع الاقمشة في زاروب يبعد 10 دقائق عن سوق الحبوب.
• واين تباع الاحذية؟
-في سوق الاحذية القريب من سوق الاقمشة.
*هل تعرف مصدر الزيت؟
- ثمار الزيتون.
*ومصدر الحليب؟
-ضرع الشاة او البقرة او المعزاة.
*ومصدر القوانين؟
- رؤوس المشرعين.
* ومصدر الحصير الذي تقعد عليه؟
- صنف معين من نبات البرية.
وهنا قال سقراط: أليس من العار ان تعرف مصدر الفول والاقمشة والاحذية والزيت والحليب والقانون والحصير وتجهل مصدر الفضائل الكبرى ومحوريها الخير والجمال، مع ان معرفة الخير والجمال ومصدر الفضائل الكبرى هي الميزة الوحيدة للإنسان على الحيوان؟!
.. لا أريد أن أقوّل سقراط ما لم يقله، لكن كثيراً من الفلاسفة والعلماء خلصوا الى ان مصدر الفضائل الكبرى هو الله، ومعروف ان سقراط سخر من آلهة اثينا الوثنية واحتقرها مما جره الى السجن وتجرع السم.
يبقى.. في عصرنا الراهن هناك من يعرف أين صنعت سيارات لمبرغيني وبورش، ومن هي اشهر ممثلة او ممثل في هوليوود، واخر المغنين واحدث "السيديهات"، بل كل المطاعم الاميركية والاوروبية وصيحات الازياء واسعار العملات.. فهلا سأل نفسه هل يعرف الفضائل الكبرى!
قد يبدو الحديث عن الأخلاق في هذا الوقت الذي تطغى به قيم السوق وثقافات "التيك أويه" وشجارات الجامعات، ضرباً من التحليق فوق الواقع، وقد يظن نفر أنه مجرد إعادة ملء كأس مملوءة أصلا.. بيد أن "الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن ذهبت هم ذهبوا"، كما قال حافظ ابراهيم.
دون الأخلاق لا يمكن أن يقوم عدل ولا مساواة، ولا يكون بناء ومجتمع وحضارة.
خاطب سبحانه وتعالى نبيه الكريم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم في الاية الكريمة: بقوله: (وَإِنّكَ لَعَلَىَ خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم 4]. وورد في الحديث الشريف "انما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق"، والنبي عليه اكرم الصلاة وأتم التسليم هو القائل (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً)، فالمسلم لن يكون كامل الايمان إلا إذا حسن خلقه.
والخلق: هو السجيةُ والطبع، وهو برأي علماء صورةُ الإنسان الباطنة، أي انها حال للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال من خير أو شر من غير حاجة إلى فكر وروية.
ومن الاخلاق ما هي طبع ومنها ما هو متطبع، اي مكتسب، كما في الحديث النبوي عن حامل المسك ونافخ الكير:
(إِنَّمَا مَثَلُ الجليس الصالحُ والجليسُ السوءِ كحامِلِ المسك، ونافخِ الكِيْرِ فحاملُ المسك: إِما أن يُحْذِيَكَ، وإِما أن تبتاع منه، وإِمَّا أن تجِدَ منه ريحا طيِّبة، ونافخُ الكير: إِما أن يَحرقَ ثِيَابَكَ، وإِما أن تجد منه ريحا خبيثَة) [أخرجه البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري].
ومن كان على خلق، يتحلى بمكارم الأخلاق ومعالي الصفات ويترك سفيهها ورديئها.
أخلاق النبي
يروى عن الرسول الكريم انه كان شجاعاً، لطيفاً، رحيماً، فلم يكن فاحشاً ولا متفحشا ولا صخاباً في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح.
عن أنس رضي الله عنه قال: "خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، والله ما قال أف قط، ولا قال لشيء لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا" رواه الشيخان وأبو داود و الترمذي.
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خادما له ولا امرأة ولا ضرب بيده شيئا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله.
وكان من خلقه صلى الله عليه وسلم في معاملة الصبيان إنه كان إذا مر بالصبيان سلم عليهم وهم صغار وكان يحمل ابنته أمامة وكان يحمل ابنة ابنته أمامة بنت زينب بنت محمد صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالناس وكان ينزل من الخطبة ليحمل الحسن والحسين ويضعهما بين يديه، كما كان صلى الله عليه وسلم يسمع بكاء الصبي فيسرع في الصلاة مخافة أن تفتتن أمه. ومن أخلاق النبي والخلفاء الراشدين والائمة الكثير الكثير مما لا يتسع لسرده هذا المقام.
العرب في الجاهلية
عرف العرب الجاهليون الكثير من الصفات الحميدة مثل السخاء والكرم والنجدة وإغاثة الملهوف وصون الجار، وخلدوا مواقفهم تلك وأخلاقهم في شعرهم. كقول الخنساء ترثي أخاها صخراً:
وإن صخرا لتأتم الهداة به
كأنه علم في رأسه نار
لم تره جارة يمشي بساحتها
حين يخلي بيته الجار
طلق اليدين بفعل الخير معتمد
ضخم الدسيعة بالخيرات امار
وهذا عبيد بن الأبرص، يرد معاتبة خليله مستغفرا الله ويشهده انه لم يرم جارة له او شيئا لا يملكه، ولو بنظرة:
يا صاح مهلا أقل العذل يا صاح
ولا تكونن لي باللائم اللاحي
حلفت بالله ان الله ذو نعم
لمن يشاء وذو عفو وتصفاح
ما الطرف مني الى ما لست املكه
مما بدا لي بباغي اللحظ طماح
ولعنترة شعر جمبل:
لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب
ولا ينال العلى من طبعه الغضب.
وللسموءل بن عادياء، وهو يهودي جاهلي، قصيدته الشهيرة التي قالها في قصة وفائه حين حفظ امانة امرئ القيس الذي ترك في عهدته امرأته وأدرعه وماله، ورفض السموءل تسليمها لعدوه ملك كندة، فهاجمه على راس جيش جرار وأسر ابنه، وحذره إن لم يدفع لهم دروع امرئ القيس فإنه سيقتل ابنه.
كانت لحظة اختيار صعبة: أيضُحي بابنه أم يضحي بكلمته؟ لكن السموءل حسم أمره وقال: "ما كنت أخون عهدي وأبطل وفائي فاصنع ما شئت".
وذُبِح ابن السموءل وأبوه ينظر إليه من أعلى الحصن، وعاد ملك كندة خائبًا. ثم أعطى السموءل الأدرع لورثة امرئ القيس، وقيل فيه المثل "أوفى من السموءل".. ومن قصيدته:
تعيرنا انا قليل عديدنا
فقلت لها ان الكرام قليل
وما ضرنا انا قليل وجارنا
عزيز وجار الأكثرين ذليل
الحضارات الرافدية
عرف سكان بلاد الرافدين القدامى الأخلاق وطوروها، وعمدوا الى سن الشرائع لتكون حارسة لها، فبعد تكون ممالك المدن في سومر، ظهر المصلح اوركوجينا ملك مدينة لكش حوالي 2380-2360 ق.م الذي اشتهر بمحاربة الفساد ونصرة الضعيف والفقير في مجتمع طغى فيه الكهنة والنبلاء.
ومن إصلاحاته التي صاغها قانون يكاد يكون الاول في التاريخ البشري وهو منع زواج النساء بأكثر من رجل، وفرض على الأغنياء استعمال الفضّة عند شرائها من الفقراء، "وإذا لم يرغب الفقير في البيع، فإنّ الرجل القوي "الغني أو الكاهن" لا يمكنه إجباره على ذلك". كما تضمنت قوانينه مقولته: "لم يعد الأرامل والأيتام تحت رحمّة الأقوياء".
تبع اوركوجينا الملك الشهير حمورابي، سادس ملوك مملكة بابل القديمة الذي وضع شريعته الشهيرة عام 1790 قبل الميلاد، وهي بذلك تعد أقدم الشرائع في التاريخ.
ومن أبرز ما جاء فيها: "إذا سرق سيد ثوراً أو شاة أو حماراً أو خنزيراً أو قارباً، إذا كان (المسروق) يعود للمعبد أو للقصر، فعليه أن يعطي 30 مثلاً. أما إذا كان يعود إلى مسكين، فعليه أن يدفع 10 أمثال كاملة، وإذا لم يكن لدى السارق ما يعوّض به فإنه يعدم". و"إذا ضرب ولد والده فعليهم أن يقطعوا يده". وغير ذلك من شرائع تحض على إنصاف المواطنين وتضع حلا للعديد من المعضلات والمشاكل التي تعترض حياتهم وحراكهم الاجتماعي.
الفراعنة
احتوت البرديات الفرعونية نصوصا تحض على الاخلاق الحميدة، والأحسان إلى الفقراء والتفكير والتأمل في هذه الحياة.
ومن النصوص الفرعونية تلك التي تعدد صفات الميت، فيثنى على مهنته الإدارية الجيدة وعنايته الأبوية بمن في عهدته. كما ان منها نصوصاً توصي بتجنب المحرمات واحترام الحرمات والجار.
ومن أخلاق الموظفين العمومين في مصر الفرعونية ما ورد في احدى البرديات من نصائح: "راقب يدك، وأكبح جماح قلبك، وصم شفتيك". كما اوجبت النصوص على القاضي ان يحمي الضعيف من ظلم الغني والقوي، كما يجب على النبيل أن يعطي الخبز للجياع.
سقراط
من اثينا القديمة اخترت قصة الفيلسوف سقراط في حواره مع تلميذه كيسينيفون الذي صار فيلسوفا فيما بعد. وهي حوارية جديرة بالتأمل.
للتوطئة لها أقول إن سقراط كان يستخدم مع تلاميذه منهجا حواريا خاليا من السخرية، على العكس من المنهج الذي كان يستخدمه مع السفسطائيين. وكان يتدرج مع تلاميذه ومريديه من المحسوس الى المعقول ومن المادي الى المجرد ومن الجزئي الى الكلي ومن صغار الامور الى كبارها ليهديهم بالإقناع الى معرفة انفسهم ثم الى طلب المعرفة العامة التي تنتهي الى معرفة الفضيلة ثم معرفة الخير والجمال.
سأل سقراط كيسينيفون: هل تعرف مصدر الفضائل الكبرى؟
كسينيفون: لا
سقراط: هل تعرف اين يباع الفول؟
كسينيفون: يباع الفول في سوق الحبوب.
• هل تعرف أين تباع الاقمشة؟
-تباع الاقمشة في زاروب يبعد 10 دقائق عن سوق الحبوب.
• واين تباع الاحذية؟
-في سوق الاحذية القريب من سوق الاقمشة.
*هل تعرف مصدر الزيت؟
- ثمار الزيتون.
*ومصدر الحليب؟
-ضرع الشاة او البقرة او المعزاة.
*ومصدر القوانين؟
- رؤوس المشرعين.
* ومصدر الحصير الذي تقعد عليه؟
- صنف معين من نبات البرية.
وهنا قال سقراط: أليس من العار ان تعرف مصدر الفول والاقمشة والاحذية والزيت والحليب والقانون والحصير وتجهل مصدر الفضائل الكبرى ومحوريها الخير والجمال، مع ان معرفة الخير والجمال ومصدر الفضائل الكبرى هي الميزة الوحيدة للإنسان على الحيوان؟!
.. لا أريد أن أقوّل سقراط ما لم يقله، لكن كثيراً من الفلاسفة والعلماء خلصوا الى ان مصدر الفضائل الكبرى هو الله، ومعروف ان سقراط سخر من آلهة اثينا الوثنية واحتقرها مما جره الى السجن وتجرع السم.
يبقى.. في عصرنا الراهن هناك من يعرف أين صنعت سيارات لمبرغيني وبورش، ومن هي اشهر ممثلة او ممثل في هوليوود، واخر المغنين واحدث "السيديهات"، بل كل المطاعم الاميركية والاوروبية وصيحات الازياء واسعار العملات.. فهلا سأل نفسه هل يعرف الفضائل الكبرى!