جاء خطاب نصرالله الأخير مقدمة لما تم التخطيط له ومبررا للخطوات المتوقعة من الحزب ومهددا لكل خطوة محتملة ضد أفراده حيث يستخدم نصرالله عدة نقاط للارتكاز عليها في تبرير القادم وليس السابق : أول نقاط الارتكاز كانت استمرار تعامله ومحاولة ظهوره كممثل للمقاومة العربية والإسلامية وقدوة لها فهو يتعامل مع الجمهور المستمع له كأنصار مفترضين لوجوده ، ويتم تمرير الأفكار الخاصة بحزب الله بطريقة الإيحاء الإجباري حيث يركز على أن سبب استهدافه هو صفته المقاومة التي يحملها لوحده حيث لا يدع مجالا للشك بذلك ولا يسمح به.
نقطة الارتكاز الثانية التي يستند إليها هو تحميل الرئيس سعد الحريري سبب فشل المحادثات السعودية السورية والتي كما قال وصلت نهايتها وأوشكت على النجاح لولا اعتذار الحريري عن مواصلة المفاوضات بعد سفره إلى أمريكا حيث تم الإيعاز له (كما قال حسن نصرالله) من قبل أمريكا وإسرائيل لإفشال الاتفاق بالرغم من وصول الطرفين للمسودة الختامية وبقاء بعض الشروط المطلوبة البحث لدى تيار الثامن من آذار ، وحسب نصرالله فأن الحريري اتبع التعليمات الأمريكية والإسرائيلية لإنهاء الاتفاق قبل ولادته .
بينما الوقائع تقول أن نصرالله تدرج بالمماطلة للوصول إلى ابعد نقطة زمنية في المفاوضات مع الحريري دون التوصل إلى اتفاق مع محاولة تحميل الطرف الآخر المسؤولية المترتبة على فشلها. نقطة الارتكاز الثالثة كانت(شهود الزور) وهي القضية التي وجدت أساسا لتبقى قائمة كبند تشكيكي لكل القرارات الصادرة عن المحكمة، أي بمعنى آخر يحاول نصر الله القيام بتوفير بيئة كبيرة للشك من خلال تضخيم أسباب وجود شهود ليسوا بفاعلين على المستوى الجنائي وكذلك وجود شهود ( لم يشاهدوا حاجة ) تم إقحامهم من أطراف مجهولة من الناحية الرسمية في القضية، وبدون الخوض في المسألة بعينها نجد أن حسن نصرالله يحاول فرض حالة الشك التي تفسر قانونيا لصالح المتهم ، بالإضافة إلى استخدامه للملف نفسه لإسقاط الحكومة بعد سحب وزراء الثامن من آذار من الحكومة التي يرأسها الحريري.
نقطة الارتكاز الرابعة هو بيان قدرة تيار المعارضة على إسقاط الحكومة وهذا ما تم حيث جعلتها المعارضة حكومة تسيير أعمال حيث يعيد تأكيد قدرته على الضغط على كل الأطراف اللبنانية لاعتماد رئيس وزراء من الوجوه المقبولة لدى طرف الثامن من آذار بعد تأكيده على أن حكومة الحريري لم تعد أهلا للثقة ولا تصلح لحمل أمانة الشعب اللبناني. نتائج مستخلصة من خطابه :
- يحاول نصرالله والعمل على فصل الدعم السعودي عن الحريري من خلال تثمين الدور السعودي رغم دوره الكبير(نصرالله) في إفشاله..!، حيث ناور على إلقاء اللوم على الحريري لوحده في فشل مشروع (س.س) مع ترك باب صغير لاحتمالية تأثير الولايات المتحدة على القرار السعودي.
- يحاول تأكيد عدم أهلية الحريري لتولي رئاسة الوزراء مع تكرار الطعن في قدرته على القيادة الأمينة للشعب وذلك لمحاولة تجريده من المنصب الرسمي في الدولة ومحاولة عزله وحصر نشاطه في تيار المستقبل فقط ، كما تم محاولة تحميل الحريري التصعيد الطائفي الذي تم بسبب شهود الزور كما قال نصرالله ، بذلك يحاول نصرالله جعل الحريري هو الخصم الرئيسي له والمشكلة للبلد ويزيل بالتالي خصومة الدولة اللبنانية مع حزب الله كمتهم مفترض حسب قرار المحكمة وليعمل بالتالي مع الحكومة المقبلة ( التي يحاول الحصول عليها حاليا )على إزالة آثار وأبعاد القرار الظني عن حزب الله.
- كان هناك اعتراف ضمني من حسن نصرالله بالمحكمة الدولية حيث أبدى انصياعه واستسلامه لعدم إمكانية رفض القرار الظني أو الطعن بالمحكمة وقام بطرح الحل المؤقت من طرفه وهو عدم اعتراف الحكومة اللبنانية بقراراتها وبالتالي عدم الانصياع لأوامر التسليم المحتملة بحق أشخاص من حزب الله.
- يلاحظ من الخطاب أن نصرالله كان يدفع باتجاه دعم التحرك السوري التركي القطري لاحتواء الأزمة حيث أبدى مرونة ملحوظة في التعاون خاصة وانه يعلم أن الدور السوري والقطري ينسجمان تماما مع الرؤيا الخاصة بحزب الله. الخلاصة: إذا تقوم خطة حزب الله للدفاع في قضية اتهامه على تحجيم الحدث المتوقع وتحويل مشكلة اغتيال رئيس وزراء من قبل دولة داخل دولة إلى مشكلة أفراد بعد عزل الرئيس سعد الحريري (الطرف المدعي) لبنانيا وإسقاط وزارته والطعن في قدرته وأمانته وكذلك عزله عربيا بعد اللعب على وتر رفض الحريري للوساطة السعودية السورية وإظهار الحريري كشخص مثير للمشاكل (وليس كدولة أو تيار بحيث يتم التخلي عنه بسهولة).
يضاف إلى ذلك محاولة نصرالله لجعل القضية المركزية في لبنان هي قضية الاتفاق على رئيس وزراء مؤتمن وأهل للثقة (حسب تعبير حسن نصرالله) ومقاوم ( الكلمة الساحرة دوما)، والتهديد بإرباك الوطن العربي كله في حالة عدم السير بالطريقة التي يراها حزب الله مناسبة له.
ذلك يدفعنا للتفكير مليا بالضعف والوهن المتجذّر بالحكومات العربية التي تلجأ للحل العشائري وعمليه (بوس اللحى وفنجان القهوة) في معالجة المشاكل التي لا تحل لوحدها طالما احد أطرافها يملك القوى لإقلاق نومنا
ويدفعنا أيضا للتفكير في الأسباب التي جعلت شرائح واسعة من الجماهير العربية تمتهن الكسل الفكري وتستلم لبريق الكلمات لتبرير التغول على الوطن العربي كله وباسم المقاومة ودون التفكير ببساطة في حقيقة مستحقات المسمى على ارض الواقع . جرير خلف