|
|||
يصيبني الدكتور عبدالله النسور، مرة بعد أخرى، بخيبة الأمل، ليس بسبب مواقفه ـ فأنا أعرفها وأعارضها وسأواصل معارضتها بلا كلل ـ ولكن بسبب اصراره على نثر كلام غير سياسي، والتعامل مع الرؤى المعارضة بخفّة تجرّف الحوار، وتخرجه عن السكة، وتحوّل السياسة إلى مماحكة.
في لقائه مع كتلة " وطن"، قال النسور بالحرف:
"وانا مقتنع بعمل جودة. وهو يقوم بمهامه بشكل ممتاز. وعلاقاته الدولية تساعد الاردن. ولدى الرجل سيطرة كاملة على القضية السياسية. ولا اضحي بخبرات فيها مصلحة للوطن لمزاجية البعض أو لان البعض ملّ منه"
حسنا.. أنا من ذلك البعض، وأنا اعترض، كمواطن أردني، على التجديد لجودة، ليس لأنني " مللتُ" منه، ولا لأنني أكرهه، بالعكس، تربطني بالرجل علاقة ودية قديمة، ولا أعترض على شخصه وإنما على تكوينه الفكري والسياسي وممارسته وأدائه. فجودة ينتمي إلى حقبة سياسية فائتة، وعقليته المرتبطة بموازين وعلاقات فترة الأحادية القطبية الأميركية ـ الإسرائيلية، لا تساعده ولا تساعد الأردن في الفترة الحالية والمقبلة التي تتسم بالتعددية القطبية، وبروز قوى عالمية جديدة ( روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا) لا يعرف الوزير العتيد الكثير عن صعودها واستراتيجياتها وامكانيتها وأدوات التعامل معها ولا فرص الإفادة منها سياسيا واقتصاديا.
على المستوى الإقليمي تعلّم جودة في مدرسة ما قبل الربيع العربي حين كان الإقليم منقسما انقساما ثابتا بين "معسكر الاعتدال" والذي كان يشتمل على مصر والسعودية والأردن والسلطة الفلسطينية الخ و"معسكر الممانعة" الذي كان يشتمل على إيران وسورية وحزب الله وحماس. وكانت تدعمه قطر. كل ذلك أصبح الآن من الماضي، وتداخلت الخطوط والألوان؛ مصر وحماس وقطر أصبحت في مكان آخر لم يتبلور بعد، لكنه يشكل محورا جديدا ليس معتدلا ولا ممانعا، في ظل مشروع سياسي إقليمي سوف تتضح معالمه في سورية. والسعودية لم تحسم توجهاتها السياسية. ودخل لاعب جديد على الخط هو العراق المقرب من إيران والمتحالف مع سورية. وهذا المحور الجديد الذي تدعمه روسيا، أصبح هو محور الاعتدال، لا بالمعنى القديم المتمركز حول مبادرة السلام العربية، وإنما بمعنى رفض الاصطفاف المذهبي ومقاومة الأخونة والتيارات السلفية والسلفية الجهادية. وقد غدا الأردن، انطلاقا من مصالحه الوطنية، أقرب إلى حلف الاعتدال الجديد. وهو ما يفتح آفاقا جديدة للتعاون بين الأردن والعراق، وربما إيران.
هذه اللوحة المستجدة المعقدة، إقليميا ودوليا، لا ينفع معها جودة و تحتاج إلى وزير خارجية من نوع مختلف قادر على إدارة هذه الملفات المعقدة.
يبقى أن أقول، هنا، إن كلام الرئيس حول " علاقات جودة الدولية " وإنها " تساعد الأردن"، هو كلام لا يليق. فالأردن أكبر منا جميعاً ، ولا يوجد مَن يساعد الأردن، بل الأردن هو الذي يخلق الفرص للأشخاص، ولا يتعامل العالم مع جودة أو سواه لشخصه، بل لأنه يمثل الأردن بمكانته الإقليمية التي يصنعها شعبه وجيشه، ولا يصنعها جودة ولا سواه. ثم إنني لا أفهم قول النسور إن جودة "يسيطر على القضية السياسية". هذه الجملة لا معنى لها، وينطبق عليها الوصف السلطي " ..."
...
وعن وزير التخطيط جعفر حسان، قال النسور "إنه يدرك مهامه. وهو رجل نزيه ويقوم بواجبه، رافضا خضوعه لآراء شخصية على ( حساب) مصلحة الوطن"
مرة أخرى، أنا واحد ممن يقصدهم النسور بأصحاب " الآراء الشخصية"! وحتى يكون لي رأي شخصي بجعفر حسان، يتوجب علي، أولا، أن أعرفه. وأنا لم أتشرف بمعرفته، ولا تربطني به علاقة من أي نوع. كذلك، فإنني لم أتهم الرجل في نزاهته، وإنما أنا معترض ـ تحديدا ـ على كونه " يدرك مهامه" كمندوب لأوساط الليبراليين الجدد والبنك الدولي وسياسات السوق المتوحشة والهدر المالي ومضاعفة المديونية وتشتيت المالية العامة، وغياب الرؤية التنموية الوطنية. وببساطة، فإن خبرات جعفر حسان، مع تقديري لها، قد تنفعه في التخطيط لبنك أو لشركة، ولكن ليس لدولة مدينة ذات اقتصاد متعثر وتعاني من فجوة مريعة بين أقلية من الأغنياء المترفين وأكثرية من المفقرين المهمشين.
جعفر حسان يمثل مدرسة اقتصادية غريبة عن مجتمعنا واحتياجاته، وفشلت، ودمرت الاقتصاد الوطني وبددت الامكانات الاقتصادية وفرص التنمية. ولعل استمرار هذه المدرسة أن يكون أسوأ ما يسيء لـ " مصلحة الوطن". وأخيرا، فإنني لست معترضا فقط على التجديد لجعفر حسان وإنما على الإبقاء على وزارة التخطيط ذاتها، ولأسباب موضوعية، سبق لي أن شرحتها بالتفصيل. |
ناهض حتر يكتب ... النسور وجودة وحسان، التجديد للماضي
أخبار البلد -