قوى الإصلاح يسلكون مسلك إلغاء العقل، وممارسة الوصاية على عقول أتباعهم .
غدًا سنعود إلى حلقة جديدة من الاعتصامات ستقوم بها جماعة الإخوان المسلمين ، دعت إليها في دوار فراس، تحت عنوان" جمعة الشرعية الشعبية" والتي تقول قيادة الإخوان إنها مرتبطة بفعاليات المطالبة بالاصلاح وغير موقوفة على الانتخابات المقررة يوم الأربعاء المقبل.
الجماعة لا ترغب في التصعيد ، لكنها تريد استغلال الحشد الاعلامي المرافق للانتخابات وتوظيفه لمصلحتها وإبراز قوتها ، لكنها في الوقت نفسه غير معنية بجعل معركتها ضد الانتخابات النيابية معركة مع المرشحين، لذا فإن نائب المراقب العام زكي بني ارشيد يقول: "إن الإخوان غير معنيين بمواجهة المرشحين أو القوائم" بينما أمين عام حزب جبهة العمل الاسلامي حمزة منصور يقول إن: "اليوم التالي للانتخابات سيشكل دفعة قوية للحراك الشعبي، لأن هناك مرشحين موعودين بالنجاح سيجدون أنفسهم في الهواء".
إذا ؛ الرهان على الخاسرين والغاضبين من صناديق الاقتراع ، وهم موجودون في الانتخابات كلها ، لكن اختلفت الصورة هذه المرة بأن طعون المتظلمين ستكون أمام القضاء وليس أمام مجلس النواب الذي لم يسبق وردّ مظلمة لخاسر في الانتخابات، والخاسر الذي يلجأ للقضاء هو العاقل أمّا غيره فسيلجأ إلى الشارع ولن يصدقه بعدها أحد ، لأن التاريخ لا يرحم.
ما يهمني اليوم أن قيادة "الإخوان" تتعامل بروية في العلن ،
وهذه حكمة مطلوبة ، خاصة وأن موازين القوى في الشارع باتت واضحة بعد التخبط الكبير الذي مرت به الفعاليات والشعارات المغامرة التي أخافت الأردنيين أكثر مما فادتهم، كما أن الأوضاع في الإقليم والانكماش الشعبي من حولها، دقّت نواقيس خطر كثيرة، إضافة إلى الأوضاع داخل "الجماعة" والمطالبات الداخلية بالديمقراطية والاصلاح.
وقد لفت نظري مقال الزميل د. رحيل الغرايبة أمس الأول على صفحات "العرب اليوم" - وهو من القادة المعروفين في جماعة الإخوان المسلمين - يطالب بتحرير العقل كجزء من عملية المطالبة بالاصلاح ويشير إلى أن " بعض الذين ينتسبون زوراً إلى قوى الإصلاح يسلكون مسلك إلغاء العقل، وممارسة الوصاية على عقول أتباعهم، بإصدار الأوامر لهم بعدم التعاطي مع بعض الأفكار وعدم الاستماع لبعض أصحاب المبادرات، وينظرون إلى أتباعهم وكأنهم كائنات قاصرة غير راشدة وغير قادرة على التفكير وغير قادرة على التمييز، ويعملون بمضمون الشعار القائل: لا تفكر؛ نحن نفكر عنك".
وهذا ذكرنا بتعميم داخلي وزّعه المكتب التنفيذي على الشُّعَب الإخوانية قبل أيام بعنوان: "عام جديد ومرحلة جديدة" ووصلني مقتطفات منه، يشير إلى أن الجماعة "تمر بمنعطف صعب ومرحلة خطرة" ، لكن التحليل لذلك يعود إلى "الدسائس والمؤامرات والافتراءات والتشوية" من دون أن تكون هناك مراجعة داخلية للأسباب الحقيقية.
في التعميم الداخلي تَذْكُر قيادة الإخوان قواعدها بتجديد " البيعة التي هي في عنق كل واحد منكم والتي تقتضي السمع والطاعة ..كما تجب المشاركة الفاعلة في المسيرة الكبرى التي قررت الجماعة القيام بها يوم الـ 18 من الشهر الجاري على ان تكون الفعالية أقوى من فعالية 5/ 10 ولتكون بمثابة رسالة قوية لاصحاب القرار ليعودوا إلى رشدهم".
لكن هذا المنطق في التعميم الداخلي لم يأت هذه المرة من الشرعية الشعبية التي تستند إليها الجماعة وتطالب بها بل من "مسؤوليتنا الشرعية في قيادة هذا الشعب والدفاع عن حقوقه" ويشبه قيادي إخواني كبير في لقاء داخلي مسيرة الجمعة "بغزوة تبوك التي حققت أهدافها من دون إسالة دماء"!
من الواضح أن "الإخوان" باتوا وحدهم في الشارع وهم يهددون أتباعهم إن لم يحضروا فعالية الجمعة فإنهم سيعاقبون لكنهم غير معنيين بالتصعيد ، بل باثبات الوجود، والدولة وأجهزتها حريصة على بقاء الهدوء في الشارع والعبور الآمن إلى يوم الانتخابات ، وهذا تفاهم ضمني يمكن أن يؤدي إلى انتخابات هادئة.