ازدحام المرشحين بحاجة إلى حل
تصارع الهيئة المستقلة للانتخاب من أجل العبور الآمن وصولا إلى يوم الاقتراع العام المقرر في الثالث والعشرين من الشهر المقبل، وقد عمدت إلى اختيار سريع لكوادرها، ونفذت ورشا تدريبية سريعة لهم، وأصدرت كل التعليمات اللازمة لتطبيق قانون الانتخاب ابتداء من طريقة الاقتراع وشكل البطاقة والحملات الانتخابية والصرف عليها واللجان وغيرها.
ويبدو أن أكبر تحد ماثل أمام الهيئة المستقلة وأمام العملية الانتخابية برمتها يتمثل في شكوك الناخبين من سطوة المال السياسي بشقيه (الصرف على الحملات الانتخابية وشراء الأصوات). وقد عالجت تعليمات الهيئة المستقلة الشق الأول من التخوف من خلال إجبار المرشحين على الإفصاح عن تمويل حملاتهم وبيان مصادرها من دون تحديد سقوفها.
وهذه بحد ذاتها قضية مهمة رغم أن الأهم من الإفصاح المالي، هو تحديد سقف أعلى لعمليات الصرف على الحملات الانتخابية حتى لا يكون المال عنصرا أساسيا في صناعة نائب الأمة، بحيث يستطيع أن يدخل مجلس النواب الغني والفقير لا الغني فقط. وهنا يصبح التساؤل مشروعا، إذ كيف يمكن أن تكون الانتخابات النيابية حرة ونزيهة عندما لا يستطيع أن يفوز بها إلا من امتلأت جيوبه بالمال؟
وهناك الكثير من الأحاديث والأرقام عن عمليات شراء للأصوات باشر بها مرشحون محتملون في الكثير من المناطق، وهناك الكثير ممن حجزوا بطاقات انتخابية بعد أن دفعوا أموالا لأصحابها، وقد يلجأ بعضهم إلى تعطيل المشاركة في الانتخابات من خلال شراء البطاقات وحرقها، وهنا محك مصداقية الانتخابات، هل هذه المعلومات حقيقية؟
الهيئة المستقلة وأجهزة الدولة التي تسمع مثل هذه الشكاوى، تطلب من المدعي معلومات دقيقة لمتابعة مشتري البطاقات ، لكن هذا الطلب أيضا صعب، لأن المواطن لا قدرة له على التثبت من المعلومات، ولا دور حقيقيا هنا إلا لأجهزة الدولة التي تستطيع مراقبة كل اسم تدور حوله الشبهات للتأكد منها، بالطريقة نفسها التي تتعامل معها في "إخباريات" التهريب أو المخدرات.
والتحدي الثاني أمام الهيئة المستقلة، هو كيفية التعامل في الأيام الثلاثة المخصصة لفتح باب التسجيل للترشيح، وقد شهدنا منذ عام 1989 تنافسا محموما للاصطفاف على الدور أمام مراكز الحكام الإداريين للفوز بتسجيل متقدم على المنافسين، فنشهد اصطفافات للمرشحين تبدأ من ساعات الفجر الأولى، وهناك من يرسل أشخاصا لحجز الدور إلى أن يأتي "سعادته" في الثامنة صباحا ليدخل إلى مبنى المحافظة للتسجيل، وفي المقابل فإن المرشحات الإناث عادة ما يحرمن من التسجيل المبكر إلا إذا بعثن من أنصارهن لممارسة ذلك الدور.
هذه قضية ثانوية ولا تؤثر في العملية الانتخابية وليس لها علاقة بالنزاهة أو صدق الإجراءات، لكنها قضية حضارية بحاجة إلى ترشيد وابتكار طريقة جديدة تسهل على الناس من أجل تفادي حجز الدور في الشوارع والتزاحم أمام المباني للتسجيل المبكر الذي لا يقدم ولا يؤخر في عملية الفوز.
والمعروف أن الهيئة المستقلة لجأت إلى إصدار التعليمات ولم تلجأ إلى إصدار الأنظمة بموجب قانونها من أجل تفادي المرور على السلطة التنفيذية لإقرار الأنظمة، وهذه الخطوة حافظت على استقلالية الهيئة وأبعدتها عن التأثير الحكومي، ونتمنى أن تستمر الهيئة في ذلك وأن تجد لنا حلا حضاريا ينهي عمليات التجمهر ومبيت المرشحين أمام مراكز الترشيح وهي حتما قادرة.