تزداد الحاجة في الأردن إلى بناء قوة موازية للإسلاميين، لتحقيق التوازن.وأحسب أنه لا توجد قوة وحيدة قادرة على تحقيق التوازن. فأكبر قوة وازنة على الأرض هي التيار الوطني بزعامة عبدالهادي المجالي، لكنها قوة لا رصيد لها في أوساط الشباب؛ وممكن أن تتعاضد مع طيف واسع من رجال الأعمال والنخب الأكاديمية، وتنفتح على أوساط الشباب الذي لا يرى تمثيله في التيار الإسلامي.أما القوى اليسارية والقومية، فهي بالكاد تستطيع أن تحصّل مقعدا نيابيا لكل فصيل منها، ولاعتبارات لا علاقة لها بالخط الفكري والسياسي. فالشعبية تقاس بنتائج الانتخابات النيابية أو البلدية أو النقابية أو الطلابية أو النوادي، إضافة إلى القدرة على الحشد والتأطير، وأي حزب لا يستطيع أن يحشد في مهرجان ألف إنسان لا يستحق أن يكون حزبا. وهذا لا يقلل من قيمته الفكرية؛ فالعمل السياسي ليس وثيق الصلة بالقدرات الفكرية، وإلا كانت أقسام الفلسفة في الجامعات هي نادي الرؤساء.تتعلل تلك القوى بأن الدولة ظلت تدلل الإسلاميين في وقت قمعها، وأنهم حلفاؤها الذين استفادوا من إمكاناتها واستغلوها وحولوها إلى مكاسب انتخابية؛ وهذه أكذوبة ضيعت على تلك القوى فرصة بناء تيار مواز يواجه الإسلاميين. فالتحالف، إن صح، يقتصر على الأردن، والعكس حصل تماما في معظم الدولة العربية. وأي حسبة بسيطة لشهداء الرأي ومعتقليه في العالم العربي ستكون النسبة على الأقل 90 % إسلاميين في نصف القرن الأخير.وفي الأردن، فإن جماعة الإخوان تأسست على يد برجوازية عمان وأعيان البلد، ولم تقم على أكتاف شباب غاضب، وعلاقتها مع الملك المؤسس كانت شخصية ومباشرة في بلد صغير ووادع. وفي حفل الافتتاح الذي رعاه الملك المؤسس ألقى كلمة الافتتاح هزاع المجالي (رئيس الوزراء لاحقا).الدولة البسيطة هي التي كانت بحاجة إلى البرجوازية من تجار وكوادر ولم يكونوا هم بحاجتها. وعندما بنى الإخوان الكلية العلمية الإسلامية، لم تكن الدولة قادرة على بناء مدرسة بمستواها. وعندما تخرج إسحق الفرحان من جامعة كولومبيا في أميركا، كان يمكن أن يشتغل في أي بلد في العالم بدلا من وزارة التربية في الأردن، وكذا عبداللطيف عربيات وفاروق بدران وغيرهم. وهم لم يؤسلموا التعليم، بل كانوا على يسار الشيخ محمد الأمين الشنقيطي الذي قدم مع الملك المؤسس من الحجاز، وكان وزيرا للمعارف.في الأثناء، لم تكن أبواب الدولة موصدة في وجه التيارت الأخرى. فالبعثي ذوقان الهنداوي كان وزيرا للتربية قبل إسحق الفرحان، وفي عهده أُقر قانون التربية والتعليم في الأردن الذي لم يقره أو يغيره الإخوان. وعبدالحميد شرف رئيس الوزراء كان من مؤسسي القوميين العرب.شارك الإخوان في المواقع غير الوزارية بحكم كفاءتهم البيروقراطية مثل أي مواطن، ولم يشاركوا في الوزارة إلا بعد التحول الديمقراطي العام 1989، بعدد دون قوتهم الحقيقية. نضالات القوى الأخرى، مع تقديرنا لها، محدودة بسبب أن النظام متسامح، ومجموع ما قدمه المناضلون الأردنيون منذ تأسس البلد لا يعادل ما قدمه تنظيم الإخوان في قرية في سورية أو تونس. وفوق ذلك، هذا تاريخ لم يعد موجودا؛ فاليوم تحول الإخوان من برجوازية إلى شباب غاضب، وهو تحول ينسف صورة التأسيس التاريخية. اليوم ربع معتقلي الحراك من الإخوان، وهذا يعكس حضورهم في الشارع.تحول الإخوان، لعوامل سياسية واقتصادية واجتماعية، من قوة محافظة إلى قوة مناضلة. وهذا التحول يحتاج إلى دراسة معمقة بعيدا عن التسطيح والأحكام الانطباعية غير العلمية.yaser.hilila@alghad.jo
استمرار أكذوبة تحالف الإخوان مع الدولة لا ينتج سياسة
أخبار البلد -