ومثل كل الأحداث في الأردن، تقيد ضد مجهول ولا توثق، ولا يستفاد منها ولا يعتبر. في نيسان (أبريل) 1989، أدرك الملك الراحل، الحسين، التحولات التي تعصف بالعالم والمنطقة. شهد انهيار المنظومة الاشتراكية التي أكدت أن الأمن مهما تعسف واشتد فلن يكبح شوق البشر للحرية، وأدرك أن الخليج لن يقدم مساعدات اقتصادية تغني الناس عن الديمقراطية. في لحظة، اختفى زيد الرفاعي، وهو صديق عمر الحسين والأقرب إليه سياسيا واللاعب الماهر في السياسة الدولية، عن المشهد، ولم يظهر في صور التلفزيون الأردني في رحلة العودة. وعلى الفور، من دون لجان واجتماعات وندوات، جرت انتخابات نزيهة قدمت للشعب الأردني واحدا من أفضل المجالس النيابية في تاريخ البلاد.
منذ العام 1989 إلى العام 1993، لم تشهد معان حادثة عنف واحدة. وهذه هي الوصفة السحرية. بعدها، ومع التعثر الديمقراطي بفضل قانون الصوت الواحد، كانت معان على موعد دائم مع العنف، لأسباب سياسية واجتماعية. وأحداث الأسبوع الأخير حلقة في سلسلة لا تتوقف. فعدد الذين قتلوا في مواجهات أمنية هناك، بلغ 34 مواطنا، منهم من كانوا مطلوبين، ومنهم من كانوا أبرياء وأطفالا وشبابا بلا ذنب. في العام الأخير، كان العدد ثمانية. وكالعادة، لا نتائج للتحقيقات، إن كانت تجرى أصلا.
رجل الأمن الذي يُقتل هو مثل المواطن؛ فحرمة الدم واحدة، وهو لديه أم وزوجة وأطفال. ورجل الأمن في كل العالم هو الذي يحتكر القوة ويستخدمها. ولكن هذه المسؤولية توازيها مساءلة. فكما يُشكر ويكافأ على كل إنجاز، من أعلى مسؤول إلى أصغر رتبة، يحاسب ويعاقب. وإلا، فإننا نطبق مقولة "السلطة المطلقة مفسدة مطلقة".
في التفاصيل، بدأت الأحداث الأخيرة بمقتل مطلوب لديه سجل طويل من القضايا، ومسلح. وقد نجح الأمن في إيقاعه في كمين في منطقة المحاجر، بعيدا عن المناطق السكنية.
أحسن رئيس البلدية ماجد الشراري حين نقل الاحتجاج إلى السلمية، من خلال إعلان الحداد العام. وبيان البلدية يعبر بدقة ونزاهة عن حالة الغضب. أما المفاجئ في البيان، فهو أن مسؤولي الأجهزة الأمنية والعسكرية والخدمية من عائلة واحدة. وهذا لا يحصل لا في السويد، ولا في الصومال.
في نيسان 1989 جلبت معان ربيع الديمقراطية إلى الأردن، قبل ربع قرن. والمأمول أن تجدد الربيع، وتطوي صفحة العنف الأعمى.