أوروبا وأمريكا تضخ كميات هائلة من السيولة بهدف تحريك اقتصادها وإخراجها من مرحلة التباطؤ الاقتصادي الذي تعاني منه. ما أثر هذه السيولة المتراكمة في أيدي الأمريكيين والأوروبيين وشركائهم في التجارة كالهند والصين ودول آسيا والخليج على الأردن؟ سؤال يجب الإجابة عليه.
من المتفق عليه أن ضخ السيولة يعتبر وسيلة قادرة على تنشيط الاقتصاد في الأمد القصير فقط، ولكن هذه السيولة لا تختفي ويبقى أثرها التضخمي في الاقتصاد على المدى البعيد. وها هي أمريكا تضخ 40 مليار دولار شهريا في اقتصادها من خلال شراء ديون وغيرها بأموال تقترضها الحكومة من ذاتها (البنك المركزي الأمريكي) بأسعار فائدة لا تذكر. والاتحاد الأوروبي يشتري سندات الديون قصيرة الأمد (اقل من ثلاث سنوات) من خلال البنك المركزي الأوروبي.
وكلا الجانبين سيستمران في هذا الضخ، خاصة أن أمريكا تمر في سنة انتخابية مما يتطلب أن يحسن رئيسها الاقتصاد قبل توجه الناخبين إلى صناديق الاقتراع بدلا من أن يغامر باراك اوباما بخسارة الرئاسة، ويعني أيضا المزيد من الضخ وربما التسارع في معدلاته كحل قصير الأمد لتنشيط الاقتصاد.
كما أن أوروبا بحاجة لإنقاذ اقتصاد اليونان واسبانيا وربما ايطاليا وغيرها التي تعاني من عدم القدرة على استخدام السياسة النقدية محليا لتحسين معدلات النمو وخفض البطالة فيها.
ستنتقل كل هذه السيولة وآثارها إلى دول العالم الأخرى، خاصة تلك التي تعد من اللاعبين (كبار الدول المُصدرة)، ولكن ما اثر تدفق السيولة في الأردن كاقتصاد يستورد أكثر من ضعف ما يُصدّر، ويستورد 87% مما يأكل و96% من ما يستهلك من طاقة، وبهذا فإن غالبية الغلاء في الأردن مستورد، خاصة أن هذه السيولة ستبقى في أيدي الناس لفترة من الزمن؟.
الأثر الرئيسي في الأردن يتمحور بتزايد ارتفاع أسعار المواد الرئيسية التي يستوردها وهي مواد بدأت أسعارها في الارتفاع فعلا نتيجة الجفاف وارتفاع معدلات الحرارة في أمريكا. ستستمر وتيرة الارتفاع هذه، بل وستتسارع لفترة ليست بقصيرة، حيث إن كميات السيولة بين أيدي الناس في هذه الدول ستكون عالية لبضع سنوات، مما يعني أن الأردن سيشهد ارتفاعا في معدلات التضخم لأن التضخم الأردني مستورد في غالبيته.
وهذا يعني أيضا أن فترة النقود السهلة ستعود مع ارتفاع أسعار النفط ما لم تقم دول كالعراق برفع كميات النفط التي تضخها حاليا، خاصة أن اقتصادها بحاجة إلى التمويل لإعادة البناء والخروج من الشلل الاقتصادي الذي تعانيه. فمع ارتفاع تدفق السيولة إلى دول الخليج سواء من صادراتها النفطية أو تحسن أسعار أسهمها وسنداتها وعقارات صناديقها الاستثمارية السيادية والتي تتركز غالبية استثماراتها في أوروبا وأمريكا، فإن من الممكن تحسن الاستثمارات الأجنبية القادمة للأردن، وكما حصل في السابق، سينحصر أثر هذه الاستثمارات في العاصمة عمان وفي قطاع العقارات الذي سيتأثر أيضا في ارتفاع الأسعار عالميا.
كما ستتحسن أسعار الصادرات من البوتاس والفوسفات والمناطق المؤهلة، وهي جل صادرات الأردن مما قد يزيد من دخل الصادرات ولكن الواردات سترتفع أيضا ما قد يزيد من عجز الميزان التجاري وإذا لم تتدفق الاستثمارات الأجنبية بشكل كبير ومعها حوالات العاملين (وهي شبه مستقرة عادة) ويرتفع دخل السياحة، وهي المصادر التقليدية التي تعين الأردن على سد عجز ميزان المدفوعات، فإن عجز الأخير سيرتفع أيضا.
أيضا، ستواجه الحكومة مصاعب مالية أكبر نتيجة ارتفاع أسعار النفط والمواد الأساسية في ظل تزايد نسب الفقر والبطالة، كما حصل في السابق أيضا، مما قد يزيد عجزها وديونها، لذا فإن المطلوب من الآن أن يكون هناك إستراتيجية فعالة وأكيدة للتعامل مع المتغيرات المقبلة، أي التعامل مع التحديات المستقبلية قبل أن تنتقل آثارها للأردن.