مثلما قال أهالي الفحيص ونشطاء البيئة لا للفحم البترولي
سوف يقولون لا للفحم الحجري.
هذا شعار الحملة التي تقوم بها جمعية الطبيعة في الفحيص،
حيث علقت يافطات عديدة في شوارع المدينة، من أجل استكمال النضال البيئي للخلاص من التوأمة
الاجبارية مع مصانع الاسمنت، التي يصفها بعض الذين يمتلكون روحاً فكاهية بـ"جيزة
النصارى"، لا فكاك منها.
لقد تعب أهالي الفحيص وماحص، وفي لغة الربيع العربي، هَرِمَ
نشطاء البيئة من أجل وقف التلوث الذي أوجدته مصانع الاسمنت طيلة الخمسين عاما الماضية
ويزيد على الأرض والانسان والهواء لكنهم لم يصلوا إلى نتيجة حاسمة، وبقيت ادارات المصنع،
الاردنية السابقة والفرنسية اللاحقة تبحث عن وسائل لإدامة وجودها وبأقل التكاليف حتى
لو كانت على حساب صحة المواطنين، وعلى حساب الاراضي الزراعية التي تصحرت، وهواء المنطقة
الذي تلوث.
القضية البيئية في الفحيص وماحص ليست ترفاً، ونشاطاً زائداً
على الحاجة لكوكبة نشطة من شباب المدينتين، فهي متداخلة في الحياة اليومية، ووجود مصنع
الاسمنت، رغم التحسينات البيئية التي قام بها، اصبح وجوده غير مرغوب فيه، ليس كرها
بمشروع وطني رفد الخزينة في فترات سابقة بملايين الدنانير، واصبح الآن يُحوّل هذه الملايين
لخزينة الدولة الفرنسية بعد ان اشترته شركة لافارج، بل لان العمر الافتراضي للمصنع
انتهى منذ سنوات، كما انتهى الامتياز الذي كان يتمتع به والذي استمر اكثر من 50 عاما،
وكذلك لم تعد محاجر الفحيص تزود المصنع بالمواد الخام، بعد ان بلعت أفران الاسمنت جبالا
كاملة من اراضي الفحيص، وتقوم الشركة الآن بإحضار المواد الخام من مناطق اخرى عبر اسطول
من الشاحنات التي تخترق شوارع المدينة، فتسبب مشاكل مرورية، اضافة الى مشاكل الغبار
المتطاير من حمولتها، كما ان نسبة العمال من ابناء المنطقتين الذين يعملون في المصنع
انخفضت الى نحو 20 عاملا.
الذين عاشوا سنوات عمرهم في الفحيص يعرفون حقيقة ملوثات الإسمنت
وحجم المعاناة الناتجة عن تدمير صناعة الاسمنت، لصحة ابناء المنطقة الذين يعانون من
امراض صدرية مزمنة، والاخطر وحسب سجلات المدينة الطبية فان اكبر نسب الاصابة بامراض
القلب، يحتلها جيران مصانع الاسمنت من اهالي الفحيص وماحص، حتى اضطر طبيب صديق ليطلق
دعابة مؤلمة، "إننا في المدينة الطبية مش ملحقين تركيب شبكات لشرايين الفحيصية..."
كما دمّرت صناعة الاسمنت اجمل المسطحات الخضراء في بلادنا، وكذلك دمرت الأشجار والتنوع
الحيوي وكافة أشكال الحياة المحيطة بالمصنع من بشر وشجر وحجر.
يليق بمدينتين باهرتي الجمال والطبيعة، الفحيص وماحص، اللتين
تضعان لحظة غروب الشمس ما علق بهما من ارهاق على اكتاف اسوار مدينة السلام القدس، ان
تتخلصا من جيرة مصانع الاسمنت، التي زاد عمرها على 60 عاماً، وارتبطت ومنذ سنوات بأكبر
قضية بيئية في الأردن، وكانت مثار الجدل والنقاش على أعلى المستويات، كقضية وطنية لا
تخص أهل الفحيص وماحص وحدهم.