أخبار البلد -
وأخيرا فعلتها الحكومة، كان القرار بالطبع متوقعا، لكن كثيرين استبعدوا ان يمر بهذه السرعة، فآخر تصريحات أطلقها رئيس الوزراء امام النواب كانت تشير الى أن رفع بنزين 90 لن يتخذ إلا بعد ان "تستنفد” الحكومة كافة الخيارات المتاحة، ويبدو ان ذلك قد حصل في نحو اسبوع واحد فقط، وقبل ساعات من توجه الرئيس الى الكويت، وكأنه اراد ان يحمل "القرار” معه لتطمين الاشقاء هناك بأننا "نساعد انفسنا” قبل أن نطلب مساعدة الآخرين.
للحظة، ترددت في الكتابة حول "المسألة” فقد تعبت حقا من النقاش والمطالبات ومن الجدل حول "حكمة” ما يصدر من مقررات، واكتشفت بأننا نتناوب على "الصراخ” فيما آذان المسؤولين في بلادنا "مغلقة” تماما لكنني استدركت حالة الاحباط فوراً، فمن حق الناس علينا ان نعبّر عن معاناتهم، وان ننبه أصحاب القرار الى خطورة دفعهم الى الجدار. الوجبة الاولى من
"رفع الاسعار”: احتملها الناس لأنها لم تمس بشكل مباشر "جيوبهم” والوجبة الثانية التي اشتملت على رفع فاتورة الكهرباء "ابتلعوها” ايضا، وحينها كتبت في هذه الزاوية ان اسوأ ما نتوقعه من سيناريوهات حول ردود فعل الشارع هو ان تفسر الحكومة "احتمال” الناس لمثل هذه القرارات بطريقة خاطئة، وتندفع بعدها الى تمرير وجبات اخرى من "الرفع” وللأسف، هذا ما حدث، فكانت الوجبة الثالثة التي مسّت: جميع الفئات الاجتماعية، لدرجة يصعب على اي مسؤول ان يسوّقها او ان يقول بأنها تستهدف الاثرياء، ولا تنعكس سلبيا على اصحاب الدخول المتدنية او الفقيرة.
من المفارقات ايضا ان وجبة الرفع الاخيرة ظلت منذ عام "معلقة” لدى كل الحكومات لكن اطلاقها الآن تزامن مع تصاعد "حراكات” المطالب لفئات عديدة اكتشفت بان "وعود” الحكومات لها لم تتحقق، فثمة فنانون ما زالوا في خيمة الاعتصام اشهروا خيبتهم من عدم انصات المسؤولين لهم، وثمة "ايتام” خرجوا عن صمتهم وثمة عمال ومهنيون وأئمة وموظفون قرروا الاحتجاج للمطالبة بتحسين احوالهم المعيشية، ولكن الردّ كان جاهزا وهو الاستمرار في سياسات رفع الاسعار بدل "التمهل” في قراءة المشهد والتعامل معه بشيء من التبصر والحكمة.. بعيداً عن القرارات المسطحة التي توهمت ان موجة المطالبات انتهت.
من المفارقات اخيراً ان وجبات الاصلاح التي قدمت لم ترضِ الشارع، لكنه آثر ان يحتملها ويتعامل معها بعقلانية على امل ان تتغير الصورة، لكن وجبات رفع "الاسعار” التي لم تنتهِ ربما حتى الآن تختلف تماما، فهي تمسّ بشكل مباشر حياة الناس ومقدرتهم على الصبر والاحتمال، وهي تثير غضب الذين يتذكرون دائماً بأن "يد” الحكومات الحازمة تُطبق على جيوبهم ، وبأن ضريبة التهاون في حماية المال العام وانفاقه يتحملها الاقل حظاً بدل ان يحاسب عليها من كان سبباً في وصول "الخزينة” الى العجز والمديونية الى ارقام فلكية.
كل ما يمكن ان اقوله – هنا-: كان الله في عون مواطننا الذي يعاني ظروفا قاسية، وحمى بلدنا مما يحيط به من حرائق وما يستهدفه من انواء، وأعادنا جميعا الى الحكمة والصواب، الله لا نسألك ردّ القضاء ولكن نسألك اللطف فيه.