أخبار البلد -
اخبار البلد_ لا تزال الشكوك تحوم حول قدرة نقابة المعلمين الاردنيين على تجاوز حالة الانقسام والتجاذب التي تسيطر على أداء المجلس رغم مرور قرابة شهرين على انتهاء الانتخابات، وسط تنامي الجدل بشأن الدور الحقيقي لأول نقابة للمعلمين في تصويب المشهد العام للتعليم المدرسي.
لم يعد خافيا على أحد أن النتائج التي أفرزتها انتخابات نقابة المعلمين منتصف نيسان الماضي ألقت بظلال قاتمة على أداء أعضاء المجلس بعد سيطرة "التيار الأخواني" على مقاعد المجلس المركزي، الذي يواجه الآن مهمة صعبة في إقناع أكبر قطاع تربوي في البلاد بأهمية الدور السياسي والحزبي للوصول الى الأهداف المعلنة و"غير المعلنة" للنقابة.
فعلى الرغم من حسم قانون النقابة المسار المهني في عمل نقابة المعلمين الأردنيين الا أن ثمة صوت عال ما زال يضغط باتجاه "ادلجة" و "حزبنة" هذا المسار من طرف الأعضاء الإسلاميين في المجلس ورفض شديد من جانب نقيب المعلمين مصطفى الرواشدة الذي جاء الى هذا الموقع بدعم من الإسلاميين ، وهو ما يطرح سؤالا محيرا عن مدى صمود الرواشدة أمام "الإخوان"، في إبقاء النقابة ضمن مسارها المهني الذي نص عليه القانون.
وقد بدا هذا الوضع واضحا خلال جلسات المجلس في الشهرين الماضيين، فقد دبت الخلافات بين أعضاء المجلس ونقيبهم على نحو مثير للقلق وذلك على خلفية عدد من الملفات التربوية الأساسية وهي تطوير المناهج، امتحان الثانوية العامة، وأيضا تدريب المعلمين، حيث يصر أعضاء المجلس على مناقشة هذه الملفات مع وزارة التربية والتعليم وهو ما اضطر النقيب مصطفى الرواشدة الى طلب لقاء مع وزير التربية والتعليم لتقديم رؤية نقابية واضحة لمستقبل تلك الملفات.
بيدا أن وزارة التربية بادرت على الفور الى رفض أي تدخل في مناهجها المدرسية أو حتى امتحان الثانوية العامة وهو ما دعا الوزير السعودي الى التأكيد أن العلاقة بين وزارة التربية والتعليم ونقابة المعلمين تحكمها القوانين والتشريعات التربوية بعيدا عن لغة الأحزاب أو العمل النقابي.
محاولة نقابة المعلمين التدخل في السياسات التربوية تطرح تساؤلات عديدة حول حقيقة العلاقة بين "النقابة والوزارة" ومحاولة النقابة تقديم نفسها على أنها "وزارة ظل" تحكم وترسم وتحدد الخطوط العريضة لصلاحيات الآخرين، وهو ما يكشف عن مستوى التغلغل الحزبي الذي ترسمه الرؤية الإخوانية في الجسم النقابي خلال الشهور الأولى من عمر النقابة.
الخلافات بين أعضاء المجلس لم تتوقف عند هذا الحد، فقد جاءت قضية انتخاب ناطق إعلامي باسم مجلس النقابة لتؤشر بشكل واضح على المستوى الذي وصلت إليه هذه التجاذبات، ففيما يرفض الرواشده هذه الفكرة من أصلها استغل أعضاء المجلس غياب نقيبهم وعقدوا جلسة خاصة ترأسها نائب النقيب حسام مشه وانتخبوا أيمن العكور"إخوان" على حين غفلة ناطقا إعلاميا باسم المجلس حتى طغى اسمه في الصحف على اسم النقيب الرواشدة نفسه، كما دبت الخلافات أيضا حول شراء مقر دائم للنقابة، هل يتم ذلك وسط عمان أم على طريق المطار.
ربما هذه الانقسامات والخلافات تشير بالدرجة الأولى الى حقيقة من صوته أعلى داخل المجلس ومن هو صاحب الشخصية الأقوى فيه أهم "الإسلاميين" أم النقيب ذو الخلفية اليسارية، ولعل هذا يفتح باب النقاش حول مدى نجاح المجلس في تحمل مسؤولياته تجاه المعلمين وحمايتهم من تغول السلطة، والى أي مدى يمكن التعويل على هذا المجلس أم أن هذه الخلافات والمشاكسات ستقصر من عمره وصولا الى الحل.
ويتزامن هذا كله مع فشل المجلس في إنجاز المشاريع الإستراتيجية ومنها تشكيل اللجان الداخلية الى جانب إقرار الصناديق الخاصة بالنقابة مثل، صندوق الادخار، التقاعد، التكافل، التضامن، الإسكان، التأمين الصحي، وهي تمثل جوهر عمل نقابة المعلمين كما حددها القانون، غير أن أداء المجلس يقع بشكل مباشر تحت مجهر المعلمين في الميدان، ففي الأيام الماضية وجه معلمون عبر صفحة التواصل الاجتماعي على "الفيسبوك" نقدا شديدا لنقابتهم التي ما زالت "تحبو" رغم مرور شهرين على انطلاقتها على حد وصفهم.
اللافت أنه رغم الزخم الذي شهدته الانتخابات غير المسبوقة من حيث النزاهة والشفافية والمشاركة فإن نقابة المعلمين ما زالت غير قادرة على التحول الى مرحلة التأثير الفعلي في المشهد العام للمعلمين، وكذلك تغيير صورة المجتمع البائسة له، فالاعتداءات على المعلمين ما زالت مستمرة ومثولهم أمام المحاكم على خلفيات عنف مع الطلبة باتت بازدياد، وسط تهديد العديد منهم بترك المهنة باعتبارها مهنة من لا مهنة له كما يقول كثيرون بسبب تلك الإهانات والاعتداءات.
عموما الأزمة التي تسببت بها نتائج انتخابات نقابة المعلمين ما كانت لتحوز على هذا القدر المتزايد من الاهتمام لولا غياب الوعي السياسي عند المعلمين والانتخاب وفق الرؤية العشائرية أمام التيارات السياسية المتماسكة الأخرى.